عاد الأخ الرئيس إلى حديث «الإصبع».. لا أستبشر بذلك خيرا، فقبل شهرين رفع الرجل إصبعه فى وجوهنا وهو يصرخ: ها أنا أفعل!! وإذا بما يفعله هو الكارثة.. فقد أعلن الطوارئ فى مدن قناة السويس، وأعلن كذلك حظر التجوال على أهلها، ورد على سقوط أربعين شهيدا فى بورسعيد «وصلوا إلى خمسين الآن» بأن وصفهم بالبلطجية، وتوعد بإجراءات أشد وأقسى إذا لم يرتدع المواطنون فى مدن القناة وغيرها من المدن التى سادها السخط والاحتجاج!!
وكما نعرف.. كان الرد أن تحول ليل مدن القناة إلى نهار، ومباريات للكرة وأغنيات على السمسمية، وتصميم على رد الكرامة والقصاص للشهداء. ولولا العلاقة الوثيقة بين الأهالى وجيش مصر الوطنى لكان الأمر قد تحول إلى كارثة.
الآن يعود الأخ الرئيس إلى حديث الأصابع، ومعها الحديث عن الإجراءات الاستثنائية! فيهدد الأخ الرئيس بأن «اللى يحط صباعه داخل مصر.. هاقطعه».. ومع ذلك يقول فى نفس الخطاب الذى ألقاه أمام تجمع نسائى إنه شايف صباعين تلاتة بيتمدوا لجوّه».. ولا أعرف هل قطعها أم ما زالت الأصابع تعبث فى أمان؟! أم أن «الشىء لزوم الشىء».. والأصابع هى المقدمة للحديث عن الإجراءات الاستثنائية التى بشرنا بها الأخ الرئيس؟!
ودعونا فى البداية نذكِّر الأخ الرئيس أننا لم نتوقف يوما عن المطالبة، بل التوسل، لتطبيق القانون والتحذير من النتائج المروعة للاعتداء على استقلال القضاء أو لتعطيل القانون أو شل يد الدولة عن ملاحقة المجرمين.. فمن الذى كان يعطل القانون؟! ومن الذى سمح بمحاصرة المحاكم؟ ومن الذى هدد القضاة بالقتل؟ ومن الذى جاء بهذا النائب العام رغم أنف القانون؟ ومن الذى أصدر الإعلان الاستبدادى ليجعل من نفسه حاكما بأمر الله، ولكى يمنع القضاء من ممارسة عمله؟ ومن الذى سمح بأن يكون قصر الرئاسة مقرا لتعذيب المعارضين فى أحداث الاتحادية؟ ومن الذى وقف ليعلن رسميا أن المتهمين بقتل شهداء مجزرة الاتحادية قد ضُبطوا واعترفوا.. ثم تبين أن هذا كله كذب فى كذب؟! ومن الذى ترك دماء عشرات الشهداء الذين سقطوا فى عهده بلا قصاص، وبلا تحقيق جاد حتى الآن؟ ومن الذى ترك الميليشيات تمارس جرائمها، وترك النيابة العامة تحاول أن تعطيها المبرر القانونى بدلا من أن تسوقها إلى السجون بحكم القانون؟!
لو وجد الأخ الرئيس الإجابة عن هذه الأسئلة، لما كان فى حاجة إلى التهديد والوعيد، ولما جاء خطابه الأخير تحريضا صريحا على الإعلاميين والسياسيين المعارضين، ولما كان كل تفسيره للكارثة التى تواجهها مصر فى عهده هو أن هناك صباعين ثلاثة ممدودان داخل مصر!!
الحقيقة التى يعلمها الأخ الرئيس أنه هو شخصيا المسؤول عن غياب القانون منذ تولى الحكم، لأنه يعلم أن جماعته وأهله وعشيرته هم الخارجون على القانون، وهم الذين اعتدوا على الشرعية، وهم الذين تصوروا أن العنف هو سلاحهم إلى «التمكين» من مفاصل الدولة، وإسكات كل صوت معارض لهم!!
والحقيقة التى يعلمها الأخ الرئيس أنه المسؤول عن انتهاك استقلال القضاء، وعن العدوان على المحكمة الدستورية، وعن كارثة الإعلان غير الدستورى، وعن مهزلة الدستور الباطل، وعن قوانين انتخابات باطلة، وعن إجراءات تمت وحكومة تبقى، رغم أنف الجميع، لكى تقوم بمهمة واحدة هى تزوير الانتخابات!!
والحقيقة التى يعلمها الأخ الرئيس أن العنف لم يكن بسبب تحريض المعارضين، ولا بسبب صحافة تؤدى واجبها. وإنما العنف بدأ على يد أهله وعشيرته، والسخط الذى يجتاح البلاد يجىء بسبب حكم فاشل، ووزراء بلا كفاءة، وحكومة بلا رؤية.
والحقيقة التى يعلمها الأخ الرئيس أن الحكم، ولا الصحافة، هو الذى يقود البلاد إلى الكارثة. وهو الذى يتبنى سياسات اقتصادية تقود للإفلاس وتعرض مصر للبيع أو الإيجار. وهو، لا الصحافة، الذى يزيد معاناة الناس مع الغلاء والفقر والبطالة. وهو، لا الصحافة، الذى أغلق أبواب السياسة وفتح أبواب العنف. وهو، لا الصحافة من يجعل إنقاذ مصر رهنا بسقوط الفاشية!!
لا الصحافة ستركع، ولا الإعلام سيخاف، ولا المعارضة ستتوقف. وسيكتشف الأخ الرئيس، ربما بعد فوات الأوان، أن المأساة لم تكن فى عبث الأصابع، بل فى فشل الحكم!!