سؤال هذا المقال ينطوى على أن ثمة علاقة بين الجيش والإخوان. والمطلوب إذن تحديد طبيعة هذه العلاقة من حيث إنها إما أن تكون بالسلب وإما أن تكون بالإيجاب. وبعد ذلك علينا أن نختار إحدى العلاقتين أو العلاقتين معاً.
والسؤال إذن:
ما الذى يسهم فى تحديد هذا الاختيار؟
إنه المسار التاريخى ونقطة بدايته عام 1938، إذ كان حسن البنا يتحدث عن السلام فى الوحدات العسكرية كما كانت دروس الثلاثاء فى دار المركز العام ملتقى أسبوعياً لمن يرغب من ضباط الجيش وجنوده. وفى عام 1940 توطدت العلاقة بين حسن البنا والسادات فاتفق السادات مع الفريق عزيز المصرى على تكوين تنظيم سرى بين ضباط القوات المسلحة على أن يكون مرتبطاً بجماعة الإخوان. وبالفعل تم ذلك وكان من أعضائه جمال عبدالناصر والبغدادى وخالد محيى الدين وأحمد حمروش وعبدالمنعم عبد الرؤوف الذى كان يشتهى إقامة دولة اسلامية.
وعندما قامت ثورة 23 يوليو أراد الإخوان المسلمون أن يكونوا أوصياء عليها إلا أن عبدالناصر ورفاقه رفضوا هذه الوصاية، وبناء عليه حدثت محاولة اغتيال عبدالناصر فى ميدان المنشية بالإسكندرية فى عام 1954.
وعندما أصبح السادات رئيساً للجمهورية استعان بالإخوان المسلمين للإجهاز على الناصريين واليساريين والشيوعيين. وبعد أن أتموا المهمة طالبوه بإقامة دولة الإسلام فرفض، وعندئذٍ اغتالوه.
ومع تعيين مبارك رئيساً للجمهورية بحكم الدستور دخل فى توتر مع الإخوان المسلمين بحكم أن الإخوان يريدون إحياء الخلافة الإسلامية فاعتقلهم.
وتأسيساً على ذلك كله يمكن القول بأن العلاقة بين الجيش والإخوان هى علاقة بالسلب. ومع ذلك فالسؤال اللازم إثارته: ما هو السبب الخفى وراء هذه العلاقة؟ أظن أنه كامن فى رؤية كل منهما إلى الحرب. الحرب، عند الجيش المصرى، دفاعية أما عند الإخوان المسلمين فهى عدوانية. أزيد الأمر إيضاحاً فأقول إن الجيش المصرى مهمته ردع العدوان الآتى من الخارج، وإذا لم يأت فمهمته تكون محصورة فى مزيد من التدريب لحسم الردع إذا حدث. أما الإخوان المسلمون فى مصر فهم جزء من تنظيم دولى الغاية منه التمكن من كوكب الأرض، وهذه الأسلمة لن تتحقق إلا إذا كان الجيش فى حالة حرب دائمة بمذاق عدوانى.
وعندما قامت ثورة 25 يناير كانت ثورة إلكترونية تستند إلى أحد منجزات الثورة العلمية والتكنولوجية وهو «فيس بوك»، الأمر الذى أدى إلى قيامها بعيداً عن رقابة أجهزة الدولة وبعيداً عن الأحزاب السياسية ومن بينها حزب الإخوان المسلمين. إلا أن أعضاء هذا الحزب وزعماءه انتهزوا الفرصة وهربوا من السجون بمعاونة حماس وحزب الله، وانضموا إلى الثوار فى ميدان التحرير، وحدث ذلك فى الساعة الواحدة ظهر الاثنين 28 يناير. وأيَّد الجيش الثورة بحكم أن كلا من الثوار والجيش كان ضد توريث الحكم. وبعد ذلك قرر الإخوان المسلمون الإطاحة بكل من شباب الثورة والجيش فدفعوا الشباب إلى الصدام مع الجيش حتى تم الانفصال بينهما وبعد ذلك انفردوا بالجيش وأقالوا قياداته، ومن ثم أصبحت السلطة برمتها فى قبضة الإخوان.
استعاد الشباب وعيهم فطالبوا بنزول الجيش. إلا أن رئيس الجمهورية أعلن أن الجيش لن ينزل مرة ثانية. ومع هذا الإعلان ورد إلى ذهنى عبارة قالها الفيلسوف اليونانى هرقليطس فى القرن الخامس قبل الميلاد: أنت لا تنزل النهر مرتين.
والسؤال إذن:
ما مغزى هذه العبارة؟
مغزاها أن النهر فى حالة تغير دائم، وبالتالى فإنك فى كل مرة تنزل النهر تكون حالة النهر مغايرة لحالته السابقة. وبالمثل يمكن القول بأن الجيش لا ينزل الشارع مرتين بذريعة أن الشارع مغاير لذاته فى المرتين.
والسؤال إذن:
ما هى المغايرة فى المرتين؟
فى المرة الأولى كان التناغم قائماً بين الجيش والشباب، أما فى المرة الثانية فكان التناغم غائباً بسبب تفكك المجتمع والدولة. ومن هنا تكون عبارة رئيس الأركان صدقى صبحى: إن الجيش ينحاز إلى الشعب. فإن تطلب الأمر نزوله فسينزل فى ثانية واحدة. ومغزى هذه العبارة أن الجيش هو الشعب متناغماً.