أكد سيد فؤاد رئيس مهرجان الأقصر، قبل ساعات قليلة من إعلان جوائز المهرجان أنه سوف يكتفى بمنح شهادات تقدير إلى الفائزين فليس لديه سيولة تسمح بدفع القيمة المادية للجوائز رغم أنها فى مختلف الأقسام لا تتجاوز 150 ألف جنيه مصرى.
العقد شريعة المتعاقدين، وكل مهرجانات الدنيا عندما ترسل لائحة تلتزم بها ومن حق كل من شارك فى المهرجان طبقًا لتلك الشروط أن يعود قانونيا عليه، الأهم أن هناك بالتأكيد ثمنًا سوف يدفعه المهرجان من مصداقيته التى تتحقق من خلال التزامه باللائحة التى وضعها ولم يجبره عليها أحد.
الحقيقة التى لامستها عن قرب هى أن أغلب صُناع الأفلام الأجانب تفهموا تمامًا المأزق الذى يعيشه المهرجان ولكن هذا لا يعنى أن نتقاعس عن تنفيذ التزاماتنا تجاه الآخرين.
أعلم بالطبع أن المهرجان تعرض أكثر من مرة للإلغاء وأن رئيس المهرجان كان يحارب طواحين الهواء وفى أكثر من جبهة واعتصم على باب وزير السياحة قبل المهرجان بعدة أيام حتى يتم صرف نصف قيمة تذاكر السفر طبقًا لاتفاقه مع الوزير، وأنه يواجَه بحالة برودة من وزارة الثقافة، حيث إن وزيرها صابر عرب لديه أجندة محددة هى إثبات أن المجتمع المدنى فاشل فى إقامة أنشطة فنية لكى تسيطر الدولة على الحياة الثقافية بيد من حديد ولهذا لم يسدد سوى 30% مما أقره فى محضر رسمى تجاه المهرجان، ووزارة الشباب قالت «لسنا طرفًا فى هذه اللعبة وما دخل الشباب بالسينما».
رئيس المهرجان قرر أن يبدأ بنفسه ولم يحصل على أجر لا هو ولا أغلب الفريق المعاون له، والذى أعلمه أيضًا أن الفنان خالد صالح دفع من جيبه الخاص دعمًا ماديًّا يتمثل فى ثمن تذاكر العديد من صُناع الأفلام الذين جاؤوا من إفريقيا ولكنى لست فى حِلّ من ذكر الرقم، وقال صالح إنه يدعم مهرجان سينمائى ينتمى إليه لأنه يدافع عن مصيره كفنان. عدد من النجوم المصريين جاؤوا إلى المهرجان على نفقتهم الخاصة ورغم ذلك فإن الأزمة المادية أحاطت بكل فاعلياته، ولا مجيب.
نجح المهرجان فى هذه الدورة فى تقديم أكثر من ورشة للتدريب على النقد السينمائى والرسوم المتحركة والتحريك، كما أصدروا أربعة كتب تناولت فى أغلبها السينما الإفريقية، وتم تكريم الناقد العزيز سمير فريد والفنانة يسرا والمخرجة شويكار خليفة والمخرج المالى سليمان سيسيه ومصطفى الحسن مخرج الرسوم المتحركة من النيجر، وأُهديت هذه الدورة إلى روح المخرج عاطف الطيب رائد الواقعية الحديثة فى السينما المصرية كما وصفه بحق نجيب محفوظ والناقد التونسى الراحل طاهر الشريعة مؤسس مهرجان قرطاج، أقدم مهرجان عربى إفريقى حيث أنشئ عام 1966 بمبادرة من الشريعة وهو يحمل عنوان «أيام قرطاج السينمائية» وحدوده الجغرافية تُطل على العالَمين العربى والإفريقى، واستحدثت إدارة مهرجان الأقصر هذه الدورة لجنة تحكيم باسم «الحريات» لتمنح جائزة لشهيد الصحافة والوطن المصور الحسينى أبو ضيف، كنت أنا والزميلان علا الشافعى وياسر محب أعضاء بلجنة التحكيم وكلفتنى نقابة الصحفيين بتوجيه الشكر إلى إدارة المهرجان على تلك المبادرة فلقد كان الحسينى شهيدًا بل وقودًا للحرية ودفع حياته ثمنًا لتلك القيمة الغالية.
ويبقى الحديث عن إلغاء الجوائز المادية، الحقيقة أن سيد فؤاد سارع بالإعلان قبل ساعات من توزيعها ولكن مهرجانَى القاهرة السينمائى الدولى والأقصر للسينما المصرية والأوروبية أعلنا عنها ولم يسددا قيمتها إلى حين ميسرة، وهو بالطبع ما يضع المهرجانات المصرية على المحكّ فى كل المحافل الدولية. مهرجان القاهرة يواجه -لو لم يسدد- عقوبة الشطب من لائحة المهرجانات الدولية لأن هذا يعد خطأ جسيمًا فى عُرف الاتحاد الدولى للمنتجين الذى يتبعه مهرجان القاهرة، بينما مهرجانا الأقصر بشقّيه الأوروبى المصرى والإفريقى يتعرضان بالطبع لحالة من تراجع المصداقية، ويبقى البحث عن المسؤول؟
لو سألت أيًّا من وزراء السياحة والثقافة والشباب بل ومحافظ الأقصر سوف يقولون لك ماذا نفعل ونحن نواجه تراجعا فى الميزانيات وأمامنا جيوش من الغاضبين يتساءلون عن أحقيتهم فى الحوافز وبعضهم لم يحصل على راتبه.. فكيف أدعم مهرجانا سينمائيا؟
الانطباع السائد هو أن تلك المهرجانات أنشطة زائدة عن الحاجة من الممكن التخلص منها فى أى لحظة للتوفير فى الميزانية. الدولة الإخوانية ترى أن السينما لهوٌ وعبث وبعضها يعتبرها رجسا من عمل الشيطان جدير بأن يجتنبوه، ولكِ الله يا مصر!!