أخيرًا، وبعد أحداث الجمعة الدامية فوق هضبة المقطم، تَذكَّر الإخوان أن هناك قانونًا، وقال بعض قادتهم إنهم سوف يطالبون باتخاذ الإجراءات القانونية للوصول إلى الحقائق حول ما حدث ومعاقبة من أخطأ!
قبلها بيوم واحد.. كان الإخوان يتهربون من المسؤولية عن أعمال البلطجة التى حدثت ضد المتظاهرين السلميين الذين ذهبوا ليقوموا بالاحتجاج عن طريق رسم الجرافيتى على أرض الشارع، فكانت الاعتداءات التى شملت الصحفيين وأهانت النساء. وعندما أصدرت النيابة أمر ضبط وإحضار لثلاثة من ميليشيات الإخوان المتهمين فى هذه الواقعة، قامت الجماعة بتهريبهم، وبشرتنا بأن أقصى ما ستفعله هو «التحقيق الداخلى» فى الجماعة، وبقانونها الخاص، لا بقانون الدولة الذى أصبح خارج الخدمة!
والسؤال هو: لو أن الجماعة التى أصبحت «جمعية» قد امتلكت الشجاعة للاعتراف بالخطأ، وقامت بتسليم المطلوبين للعدالة.. ألم يكن هذا يمثل خطوة على الطريق الصحيح لتهدئة الموقف، ونزع فتيل الأزمة، وقطع الطريق على مزيد من العنف؟!
لا نقول ذلك لكى نبرِّر ما حدث من عنف يضع مصر على طريق الفوضى، ويفتح الباب للحرب الأهلية التى لم يعُد الحديث عنها حديثًا عن مستحيل.. ولكن نقول ذلك لأننا -للأسف الشديد- نواجه موقفا لا سابق له، حيث الحكم وأنصاره هم من يعملون على الإطاحة بالقانون، وهم من يهدمون مؤسسات الدولة ليقيموا حكم الميليشيات، ظنًّا منهم أن خبرتهم السابقة فى هذا المجال تجعلهم الأقدر على فرض سطوتهم بالقوة.
ولقد كانت أحداث «الاتحادية» هى التدشين الرسمى لهذه السياسة. طبعا سبقتها أحداث كثيرة هنا وهناك، لكن ما وقع أمام «الاتحادية» كان شيئًا آخر، فحين يجتمع مئات الألوف فى مظاهرة سلمية هى الأرقى منذ الثورة، ثم يكون الرد من «رجالة مرسى» هو هذا الهجوم الهمجى المسلَّح الذى سقط فيه عشرات الشهداء والمصابين، وحين تتحول جدران مقر الرئاسة إلى سلخانات تعذيب للأبرياء، وحين يتورط رئيس الجمهورية فى تصريحات غير صحيحة عن متهمين واعترافات ومؤامرة مزعومة، وحين يتم الضغط على النيابة لتخالف ضميرها، ثم تبقى الحقائق غائبة حتى الآن.. فنحن أمام دعوة رسمية للعنف والبلطجة وحكم الميليشيات!
هكذا كان الأمر بعد هذه الموقعة التى تمثل خطًّا فاصلًا بين مرحلتين فى علاقات القوى بعد الثورة. بعدها رأينا الميليشيات تعود من مدينة الإعلام، إلى العدوان على مقرات الصحف والأحزاب، إلى الإطاحة بما تبقى من محاولات التهدئة مع التخلص من وزير الداخلية السابق، وبدء سياسة تتصور أنها قادرة على تصفية قوى الثورة باستخدام القوة.. كما حدث فى مجزرة بورسعيد، وفى استهداف شباب الثورة، وفى خطف الناشطين وإخضاعهم للتعذيب الذى وصل إلى القتل كما حدث مع محمد الجندى، وفى إرهاب النساء وتكوين فرق منظمة ومدربة على التحرش بهن والاعتداء عليهن لوضع حد لمشاركة المرأة فى النضال من أجل استرداد الثورة ومنع إقامة دولة جديدة للاستبداد، كما يريد الإخوان وحلفاؤهم فى الداخل.. وفى الخارج!
فى كل هذا كان القانون فى إجازة.. حتى الآن لم نرَ متهَمًا واحدًا فى أحداث «الاتحادية».
لم يقُل لنا أحد مَن الذى قتل جيكا والحسينى أبو ضيف والجندى وأنبل شباب الثورة الذين تم استهدافهم عمدًا. وبعد شهرين لم يبدأ التحقيق بعد فى مجزرة بورسعيد التى راح ضحيتها ما يقرب من خمسين شهيدًا!
ولكى يكتمل المشهد، لم يكتفِ النائب العام الموجود بقرار باطل، بأن يترك قتلة الشهداء مطلقى السراح، بل ارتكب فضيحة المادة «37»، لكى يُسبِغ الشرعية على الميليشيات، ويفتح الباب لقتال الشوارع. ولعله هو ومن يحركونه، كانوا يظنون أن العنف سيبقى احتكارًا لفريق واحد.. بحكم الخبرة والتاريخ الأسود فى الإرهاب وعلميات الاغتيال، أو لعلهم كانوا يدركون أن العنف سيقابله فى النهاية عنف آخر يمهد الطريق لما خططوا له.. وهو الحرب الأهلية!
أخطاء كثيرة، ارتكبها الأخ الرئيس مرسى، وخطايا أكثر ارتكبها الإخوان وحلفاؤهم.
لكن ستبقى الخطيئة الكبرى هى ما فعلوه بثورة ضربت المثل للعالم كله فى سلميتها، فإذا بهم يلوثونها بالدم، ويسيرون بها فى طريق العنف ويفرضون على الآخرين الرد أيضا بالعنف ويفتحون أبواب الحرب الأهلية، ثم يتحدثون فجأة عن القانون الذى داسوه تحت أقدامهم، لأنهم يدركون جيدًا أن الفاشية لا تقوم إلا فى غياب القانون وفى ظل العنف والفوضى، وفى حراسة الميليشيات!