١-
الحاصل فى مصر أن الشعب، وهو أوسع من جبهة الإنقاذ ومتجاوز لها، قرّر أن يعامل البلطجى بمنطقه. لا أعرف إن كان هذا قرارًا حكيمًا أم لا، فأنا لا أحب العنف كائنًا ما كان. لكن ما قيمة هذا وأنا أعيش فى ظل نظام يضرب للناس المثل فى العنف، وميليشياته تسحل وتعذّب وتقتل بلا رادع، يعاونها جهاز الشرطة، ويغطى عليها النائب «الخاص». ولا مانع من مساهمة من وزير العدل.
أما الجماعة فكل تركيزها هو تحويل المعركة إلى الزعامات «قليلة الحيلة». فنرى هذا المحامى الفاضى يشغل نفسه -كما يقول- برفع مذكرة إلى الهيئة الدولية المسؤولة عن جائزة نوبل، لكى تسحب الجائزة من الدكتور البرادعى. وأنصاره الريفيون يصفقون له.
ونرى صفحة «كلنا أبو الفتوح» المعروفة سابقًا بـ«كلنا خالد سعيد»، تنشر صورًا لمواطنين يعتدون على أعضاء فى الإخوان المسلمين، وكأن هؤلاء المواطنين ذهبوا إلى الإخوان المسلمين فى بيوتهم، وليس أن الإخوان المسلمين هم الذين حشدوا ميليشياتهم المنظّمة، بالأوتوبيسات، لكى يأتوا ويعترضوا طريق مظاهرة، ويقوموا بالدور الذى يجب أن تقوم به أجهزة الشرطة.
ثم يدخل زعيم النفاق السياسى ذات نفسه على الخط، فيتحدّث عن الغطاء السياسى، نفس ألفاظ الإخوان ومحامى حزب (هز) الوسط. وهنا ينكشف جوهر ما حدث فى المقطم. كيف؟
تخيّلى معى، مثلًا، أن جهة شحنت مواطنين بالأوتوبيسات وفضّت اعتصام أبو إسماعيل (وهو إخوانجى كأبو الفتوح تمامًا - واحد ونج يمين وواحد ونج شمال) بحجة الدفاع عن مدينة الإنتاج الإعلامى. تخيّلى هذا.
لو حدث هذا لتكلّم «المدنيون الإسلامجية» عن الدولة التى يجب أن تضطلع هى بحفظ الأمن، وليس الأفراد. فقط إن تخيّلتِ هذا ستفهمين ما أقصد. وإلا فستنظرين إلى طبقة العسل التى تنقط من ألسنتهم فتخفى الخراء الذى ينضح بالرائحة حتى وهو متخف.
هذا مع ملاحظة أن مدينة الإنتاج الإعلامى لم تكن الشرطة تحميها، بينما كانت صفوف الشرطة موجودة أمام المقطم، وتضرب بالقنابل المسيلة للدموع زى الفل. ناهيك بقصر الرئاسة الذى عذّبوا فيه المعتصمين.
لكن كل هذه التصريحات من أبو الفتوح وغيره مجرد جزء من التنسيق بينهم وبين الإخوان. حزب (هز) الوسط أعلن عن تجميده للمبادرة التى أطلقها. وكأن أحدًا اهتم بها أصلًا. ثم أعلن النائب «الخاص» التحقيق مع مَن دعوا للتظاهر أمام مقر الإخوان. وكأن مقر هذه الجماعة غير الشرعية صار منطقة يحظر على المواطنين المصريين الدعوة إلى التظاهر عندها.
بل أزيدك من الشعر بيتًا. رسالة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعى ونشرت «التحرير» أجزاء منها. رسالة الكادر الإخوانى الذى يقول لقياداته «إن الله لسائلكم عما فعلتم بنا». هذا الرجل كل شكواه أن خطته الجهنمية لضرب المتظاهرين فى أثناء طريقهم إلى المقطم لم تُعتمد من قبل القيادات، واعتمدوا خطة أخرى. فاكر نفسه بيحارب الكفار فى غزوة أحد.
وهذه الرسالة يجب أن تُضم إلى التحقيقات، لأنها إثبات أن الجماعة كانت تخطّط لضرب المتظاهرين.
هذا هو الجوهر. الإسلامجية يعتقدون أن من حقّهم أن يفعلوا ما بدا لهم، إن حاصروا كانوا على حق، وإن اعترضوا طريق المتظاهرين كانوا على حق، فإن كانوا هم المتظاهرين فإنهم طبعًا على حق، وإن حاصروا الدستورية كانوا على حق، وإن عذّبوا على أسوار الاتحادية كانوا على حق. لا يختلف هنا أبو الفتوح عن محامى هز الوسط عن محمد مرسى عن أبو إسماعيل.
٢-
وهذا ما أوصلنا إلى المعنى الأخطر لعنف المقطم. الأخطر على المواطنين المنتمين إلى جماعة الإخوان، والأخطر على الوطن كله. أن فئة من الشعب صارت مستعدّة للعراك مع الإخوان المسلمين بعد الذى فعلوه ويفعلونه، وصارت مستعدة لتعريض نفسها للخطر لا لشىء إلا بدافع الثأر، والتعبير عن عدم الخوف. لقد صارت جماعة الإخوان المسلمين طائفة داخل الوطن. هى التى اختارت ذلك. وصار للشعب ثأر لديها، بعد أن تكاسلت وتواطأت أجهزة الدولة سكوتًا على مشاهد التعذيب الممنهج والمنظّم والمقصود والمتعمّد داخل الغرف الملحقة بسور القصر الرئاسى.
قلت سابقًا إن جريمة قصر الاتحادية هى الجريمة التى سيظل الحكم الحالى يدفع ثمنها بالتقسيط غير المريح، حتى يسدّده كاملًا، مضافًا إليه «مصاريفه الإدارية».
عايزين حل؟ حقّقوا فى كل الجرائم. غير كده والله لو جبهة الإنقاذ رقصت بلدى وغنّت على غناكم، الشعب مش هيسمع لحد.