الأمر لم يعد يحتاج إلى إثبات أو دليل لكى يتأكد الانهيار الكبير لشعبية مرسى وجماعته وسقوط شرعيتهما، فالرئيس غير الشرعى مرسى، وجماعته غير الشرعية (جماعة حسن البنا)، تصورا أن الديمقراطية وسيلة لوصولهما إلى رأس السلطة فحسب، وانتهى الأمر عند هذا الحد. مَن يتصور ذلك هو شخص انتهازى، أى ينتهز الظروف لتحقيق مصالحه دون مصالح الآخرين ودون احترام قواعد اللعبة. وقديما قالوا قبل ظهور الديمقراطية كجزء من الثقافة الشعبية (يومٌ لك، ويومٌ عليك). ويحمل هذا القول دلالة تداول السلطة والحكم بين طرف وآخر. إلا أن هؤلاء يعتقدون أن الوصول إلى السلطة هو نهاية المطاف، لبدء تدشين المشروع الفاشى الاستبدادى غير الديمقراطى بِاسْم الدين، والدين منهم براء. ومع كل ذلك، فإن هناك ثلاثة مشاهد تزيد من تأكيد انهيار شعبية وشرعية مرسى وجماعته:
المشهد الأول، زيارة مرسى فى ضيافة أهله وعشيرته إلى محافظة سوهاج:
حيث رصدنا قيامه بافتتاح مشروعات قديمة ومن نتاج نظام مبارك، ومنها مشروع إسكان بحى الكوثر (تسليم 8 عقود!!) ودخول مرسى إلى ديوان المحافظة من الباب الخلفى بسبب تظاهر المواطنين أمام المبنى، وسط احتجاجات شعبية واسعة، ومنعه من دخول الجامعة وزيارتها بسبب احتجاجات الطلاب وهيئة التدريس ضده، وانسحاب رئيس الجامعة من مؤتمر الإخوان لتعرضه لإهانة!!، ومظاهرات تستقبل مرسى بالأكفان والنعوش وجراكن السولار الفارغة التى رفعها مزارعو المحافظة، واشتباكات بين قوات الشرطة والمتظاهرين واستخدام العصىّ والقنابل المسيلة للدموع أسفرت عن سقوط جرحى وحالات إغماء واختناق!! وقيام المواطنين بقطع الطريق على كوبرى أخميم لعرقلة موكب الوزراء المصاحب للرئيس غير الشرعى، كما شهدت الاحتجاجات كتابات فى الشوارع ترفض الزيارة، ومنها: «ارحل يا مرسى.. لا أهلا ولا سهلا..»!! فى ذات الوقت الذى عُقد فيه مؤتمر ضم نحو ألفى شخص من أعضاء وقيادات التيارات المتأسملة، وتحت إشراف حزب الحرية والعدالة وسط مقاطعة جماهيرية ومنع أى شخص من الدخول والمشاركة فى اللقاء، حتى أضحى اللقاء بين شخص غير شرعى يُدعى الرئيس مرسى، وأهله وعشيرته!! والسؤال: لماذا تمت هذه الزيارة الرئاسية؟! وفى تقديرى أن الزيارة قُصد منها كسر حالة العزلة حول الرئيس، وإيهام المجتمع والرأى العام والخارج أنه يزور البلاد ويتحرك فيها وسط استقبال جماهيرى، مؤكدا شعبيته، إلا أن الواقع يشهد أن الزيارة تمت على عجل وبهدف «الشو الإعلامى» بعد أخونة الصحف القومية والإذاعة والتليفزيون، وتم اختيار محافظة سوهاج تأكيدا لأن الصعيد كله يؤيد مرسى وجماعته، حيث إنه لم يخرج فى مظاهرات رافضة لهما، بينما الواقع أكد أن الصمت الجماهيرى فى الصعيد لا يعنى الموافقة على مرسى وجماعته، والدليل على ذلك الرفض الشعبى الواسع وفى كل القطاعات لمرسى وجماعته وفقا لما سبق إيضاحه، ألا يؤكد ذلك المشهد الجماهيرى الرافض لمرسى وجماعته سقوطهما المدوىّ وانهيار شعبيتهما؟!
المشهد الثانى، السقوط المدوىّ للإخوان فى انتخابات الاتحادات الطلابية:
حيث شهدت انتخابات الطلاب فى جميع الجامعات العامة والرسمية عدا جامعة بورسعيد، بسبب ظروف العصيان المدنى فيها، سقوطا مدويا للطلاب المنتسبين إلى جماعة البنا، وتقدمت القوى الثورية والسياسية الأخرى بالأغلبية الساحقة، فبعد أن كانت نسبة طلاب الجماعة فى انتخابات العام الماضى 2012م نحو 70٪، أصبحت أقل من 30٪، وبعد أن كانت كل القوى السياسية والثورية تحتل نحو 30٪، أصبح الطلاب المنتمون إليها يحتلون نسبة تقترب من 75٪، وقد شاهدنا أن مناصب رؤساء اتحادات الجامعات الكبرى فى القاهرة وعين شمس وحلوان والإسكندرية وغيرهم، وكذلك نوابهم، وأيضا رؤساء اللجان المختلفة، أصبحت من نصيب القوى الثورية. والسؤال: ما دلالات ذلك؟! تبارَى البعض فى ذلك، فمنهم من قال إنها بروفة لمجلس الشعب القادم، وإن هذا هو نصاب المتأسلمين فى المجتمع، ومنهم من قال عكس ذلك بأن انتخابات البرلمان مختلفة.. ومنهم من قال إن هذه الانتخابات الطلابية تقدم درسا للاستفادة منه للقوى الثورية والسياسية بأن لا تعارِض أو تقاطِع الانتخابات ولا بد من المشاركة فيها لإيقاع الهزيمة بهؤلاء. والرأى عندى أن ما حدث فى هذه الانتخابات لهو دليل على أسبقية نضج الطلاب والشباب أبناء الثورة وأصحابها، واكتشافهم كذب الإخوان وقادتهم، وعدم وجود رؤية لديهم، وفشل رئيسهم فى قيادة البلاد والشعور بأن الرئيس وجماعته يقودون البلاد إلى الهاوية وإجهاض الثورة تحت حماية أمريكية. المشهد الثالث، انتخابات نقابة الصحفيين وانتصار ساحق للقوميين واليساريين وهزيمة موجعة للإخوان الذين كانوا يختبئون وراء المشهد:
فبعد الفشل المدوىّ للنقيب الإخوانى ممدوح الولى، الأمر الذى اجتمع عليه الصحفيون بعزله وإحالته إلى التحقيق، وتعرضه للضرب على يد قلة متشددة لكنها تعكس حالة الغضب المكتوم، ومحاولة النظام السابق والحزب المنحل أن يعود مرة أخرى فى شخص عبد المحسن سلامة، المدعوم إخوانيًّا على خلفية التصالح بين الإخوان ونظام مبارك ورموزه، فإن حصاد انتخابات هذه النقابة هو المشهد الوطنى الثورى السليم. حيث حصل رمز قومى ناصرى هو ضياء رشوان على مقعد النقيب موجها ضربة موجعة لرمز نظام سابق مدعوم بالإخوان، وسبق لضياء رشوان أن وقف ضد الدولة المباركية كلها وفى وجه مكرم محمد أحمد «رمز نظام مبارك» واستطاع أن يتحداه ويدخل فى إعادة ليمر مكرم محمد أحمد بنسبة بسيطة بإرادة جمعية عمومية كانت ممزوجة بين العصا والجزرة قبل الثورة، ويومها هاتفت ضياء رشوان لكى أهنئه على انتصاره بدخول الإعادة وأنه عما قريب سيكون نقيبا للصحفيين بإذن الله. فالمحلل السياسى ليس مجرد راصد للأحداث ولكنه مشارك فى صنعها بتكوين مشاهد للمستقبل كما أن مجموعة التجديد النصفى (6 أعضاء) تمثل جميع التيارات الثورية والسياسية ومن بينهم صحفية مصرية أولا ومسيحية لتجسد حقيقة وحدة النسيج الوطنى القومى الذى يسعى المتأسلمون إلى تمزيقه لهدم الوطن، تحقيقا لمطامعهم فى خلافة زائفة ينشدونها.
وفى ضوء هذه المشاهد، وغيرها، مما لا تسمح به المساحة، يتأكد انهيار ما تبقى من شعبية وشرعية لمرسى (الرئيس غير الشرعى)، وجماعته (غير الشرعية) والذى تأكد ذلك من واقع تقرير «مفوضى الإدارية العليا» الذى يتضمن عدم وجود جماعة بهذا الاسم، وهو ما قلناه كثيرا، ولكنهم كانوا يصرون على ذلك!! فلماذا توجد المقرات واللافتات لهم؟!
وختام المقال تحية حب وتقدير للأم فى عيدها، لكل امرأة وفتاة، أهنئهن بعيد الأم، وأقول لهن كل عام وأنتن ومصر بخير.. وفى هذه المناسبة أذكر أمى الفاضلة رحمة الله عليها، وأخواتى الثلاث، شقيقاتى اللاتى أحبهن وأحترمهن، وأهنئهن جميعا فى هذا اليوم، ومن لا خير له فى أهله لا يوثق به، لذلك أهنئ زوجتى الفاضلة أستاذ الجامعة، التى تشاركنى مسيرة الحياة، بهذا اليوم. أما السيدات اللائى أحترمهن وأقدرهن فى العمل العام فى مقدمتهن أيقونات الثورة: (شاهندة مقلة - كريمة الحفناوى - نور الهدى زكى - فادية مغيث - مديحة عمارة - وفاء المصرى)، ولا شك فى أن هناك الكثيرات محل احترامى ويستحققن التهنئة فى مجالات الإعلام والجامعة وغيرهما، لكننى أخشى قلم الصديق إبراهيم عيسى والحبيب إبراهيم منصور!! وكل عام وأنتم جميعا بخير.
الثورة مستمرة وستنتصر بإذن الله، ولا يزال الحوار متصلا.