أنا لا أتحدث هنا عن زملاء مهنتى فى الصحافة، صاحبة الجلالة، وأخواتى وإخوتى فى السلاح الذين أعتز بالانتماء إليهم ممن تعرضوا لاعتداء همجى قبل أسبوع أمام مقر «جمعية الإخوان المسلمين»، وفقا للتسمية الجديدة التى تم طبخها على عجل لتوفيق أوضاعهم، وتحسبا لحكم قضائى متوقع يؤكد ما يعرفه الجميع من أن هذه الجماعة هى حزب سياسى غير شرعى وسرى ولا مثيل لها فى أى دولة مدنية ديمقراطية حديثة تحترم القانون.
ولكننى أحذر وأشتمُّ بوضوح ملامح هجمة شرسة قادمة قريبا وسريعا ضد الإعلام المصرى، وتحديدا عدد من القنوات والصحف الخاصة التى يحملها الإخوان وقادتهم مسؤولية كل مصائب مصر. فالإخوان لا يريدون الديمقراطية ولا يعترفون بها، ويكرهون الصحافة والإعلام بحقد دفين، لأن الإعلام يكشف حقيقة أنهم بشر مثلنا جميعا، وأنه لا يوجد لديهم «تستسرون» أو جينات متفوقة خاصة بعشيرة الإخوان كما أدعى فقيههم القانونى صبحى صالح بعد أسابيع من ثورة 25 يناير، عندما كان يصدر تعميما مركزيا بضرورة التزام «الإخوة» بالزواج من «الأخوات» عضوات الجماعة فقط، «ومش أى واحدة من الشارع» فى إهانة واضحة لكل سيدات مصر من غير عضوات الإخوات المسلمات. هم يكرهون الإعلام لأنه يقدم حججًا معارضة لأفكارهم، ولا يقبِّل يد المرشد، أو يسعى لوضع الحذاء فى قدمه الطاهرة. لا يا مرشد مش حنبوس.
ولذلك، وبعد أن بلغت الوقاحة بميليشيات الجماعة وبلطجيتها ممن ينطبق عليهم «أجساد البغال وعقول العصافير» حد الاعتداء على شريفات مصر من السيدات الثائرات بحق، انتقلوا إلى مهاجمة زملائى من الصحفيين والمصورين، لدرجة أنهم قاموا متعمدين بكسر ساق المصور محمد نبيل لمقاومته محاولتهم الاستيلاء على معدات التصوير. وبينما كان حراس نائب المرشد، خيرت الشاطر، والحاكم الفعلى لمصر، والذين ما زالوا مطلقى السراح رغم صدور أمر بالضبط والإحضار فى حقهم فى تهاون واضح من نائب عام مرسى، بينما كانوا يتولون الاعتداء على النشطاء والصحفيين ويبتهجون بإسالة دمائهم، كان كبار المسؤولين فى الدولة الإخوانية يبعثون، خارج مصر للأسف الشديد، برسالة واضحة: المذبحة القادمة هى للإعلام بأكمله، وسنرى قريبا.
الرجل الذى يشير له كثيرون الآن على أنه وزير خارجية مصر الحقيقى، مستشار الرئيس للشؤون الخارجية، السيد عصام الحداد، والذى يبهر كبار المسؤولين فى واشنطن وفى سفارة أمريكا بالقاهرة وكذلك فى دائرة السفراء الأوروبيين، بلكنته الإنجليزية الفخيمة وهدوئه، ويقوم يوميا بإجراء مكالمات مع مراسلى كبريات الصحف الأمريكية والأوروبية، سارع بالذهاب لألمانيا لمحاولة إقناع الأوروبيين بالاستمرار فى تقديم المساعدات لمصر بعد أن قرر البرلمان الأوربى تجميدها فى ضوء السجل المزرى للرئيس محمد مرسى وحكومته فى احترام حقوق الإنسان والمرأة والأقليات.
وقال الحداد فى محاضرة ألقاها أمام الألمان إن رئيسه الغلبان «يواجه تحديا خطيرا من قبل بعض وسائل الإعلام غير المسؤولة. وتعمل هذه الوسائل ضد كل الأعراف والأخلاق وقواعد السلوك بطريقة لا تحدث حتى فى أى بلد ديمقراطى، ودون أن يحاسبوا على دعايتهم السوداء». وأضاف، لا فض فوه يا عينى، «وما هو أكثر إثارة للدهشة، أن بعض وسائل الإعلام وفرت غطاء لإثارة العنف، وتتجنب إدانته وتحرض على الكراهية بشكل صريح». لم يشر الحداد لا إلى الإعلان الديكتاتورى الصادر فى 21 نوفمبر باسم الرئيس مرسى، ولا محاصرة أنصار جماعته وميليشياتها للمحكمة الدستورية، أو قيامهم باعتقال وضرب وسحل المواطنين أمام قصر الاتحادية فى 5 ديسمبر، ولا كتابة الإخوان للدستور منفردين، أو إساءة استغلال مجلس الشورى لإصدار تشريعات تخدم أهواءهم ومصالحهم فقط، والأهم فشلهم الذريع فى إدارة البلد فى كل النواحى الاقتصادية والأمنية. فقط هو الإعلام الشرير يا حداد.
وفات الراجل الفاضل غربى الهوى أنه أدان نفسه بنفسه، وأن أيًّا من مستمعيه من الدول الأوروبية ليسوا هُبلًا أو عُبطًا. وأسوأ ما يمكن أن يقوم به مسؤول عربى فى مخاطبة مستمعين غربيين هو أن يهاجم الإعلام أمام جمهور يدرك غالبيته معنى ومفهوم وقيمة الإعلام الحر فى الدول الديمقراطية، الذى مهما كانت درجة المبالغة فى قيامه بتغطية أى حدث، فلا بد أن يكون هناك حدث أو مصيبة من الأساس. ولسوء الحظ لمصر ولنا، أن الإخوان ومكتب إرشادهم مصائبهم كثيرة ويومية، وأدلة فشلهم واضحة لكل العيان.
كما فات السيد الحداد، ولاحقا وزير إعلام الإخوان السيد صلاح عبد المقصود الذى أدلى بتصريحات عدائية مماثلة ضد الإعلام المصرى فى ندوة شارك فيها فى قطر، أن الأوروبيين ومن يؤمنون بالديمقراطية يقدرون قيمة التعددية، وأنهم يدركون جيدا أن ما يرمى له قادة الإخوان أصحاب الفكر المعادى للحرية هو إسكات أى أصوات معارضة لهم، والسماح فقط للقنوات الممالئة لهم، وهى فاشلة جدا للأسف، بالاستمرار فى العمل. الإخوان يريدون إغلاق وإخراس قنوات وصحف بعينها لأنهم يريدون إعادة إنتاج الإعلام القائم فى ظل الرئيس المخلوع، لكن هذه المرة لكى يطبل ويهلل للمرشد وفضائله وإعلانه خليفة للمسلمين بعد السلطان عبد الحميد آخر خلفاء الدولة العثمانية. لا يا مرشد مش حنبايع.
الوزير عبد المقصود فى قطر، والذى بشرنا بصدور تشريعات قريبا لتنظيم الإعلام من المؤكد أنها ستكون مزرية وقمعية، زعم «أن قنوات مصرية وغير مصرية تتولى تشويه الثورة بدوافع خارجية وبغطاء داخلى. كما أبدى دهشته من قيام الفضائيات بإنفاق ما يزيد على 6 مليارات جنيه بينما لا يتجاوز المردود الإعلانى لها مليارا ونصف المليار جنيه، متسائلا: من يدفع الفرق ولما؟» لو سمحت يا سيادة الوزير من أين تأتى قناة مصر 25 يناير الإخوانية التى أشاد بها المرشد البديع بأموالها، بينما هى لا تبث سوى عددًا محدودًا جدا من الإعلانات لا يغطى يوما واحدا من تكاليف نفقاتها؟ ولا هى محطات ومحطات يا وكيل نقابة الصحفيين السابق؟
والأسوأ أن الشيخ يوسف القرضاوى، الذى استقبل تلميذه الإخوانى عبد المقصود فى قطر، أصر وأن يدلى بدلوه هو أيضا، قائلا إن الإعلام المصرى يشهد «انتكاسة مهنية»، وطالب فضيلته بـ«العمل الجاد للارتقاء بمستواه» إذن الدائرة اكتملت، والفتاوى جاهزة وأعدها الأب الروحى لجماعة الإخوان. لكننا لن نجلس فى انتظار المذبحة. وإعلام مصر الحر الذى قاوم مبارك وقمعه على مدى ثلاثين عاما، سيبقى متمسكا بالدفاع عن حرية المصريين وحقهم فى إعلام حر. ولن ننسى يا قادة الإرشاد أن ثانى مطالب شعار ثورتنا كان «حرية».