أتعجب كثيرا مما يحدث الآن فى مصر فى قضية منظومة الخبز الجديدة، وأشعر دائما وأنا أتابع القضية أن هناك لغطًا كثيرًا فيها، فبينما أتابع وزير التموين الإخوانى وهذه المنظومة بنشاط وجد، يتخيل البعض أن المنظومة الجديدة التى يتم طرحها الآن على الرأى العام فى مصر هى منظومة من إنتاج وإلهام الإخوان المسلمين وهذا لا يمت للحقيقة بشىء.
المنظومة الجديدة أفكار منذ سنوات طويلة، ثم تم وضعها فى إطارها القانونى والشكلى فى أثناء وزير التموين السابق المصيلحى، آخر وزير تموين فى عهد حسنى مبارك، لكن من الواضح أن السيد وزير التموين الجديد اقتنع بالمنظومة ويتمسك بتطبيقها، لكن تحت عنوان إنها من تأليف وإخراج الإخوان.
ماذا تقول المنظومة الجديدة ؟ هى تعتمد على تحرير سعر الدقيق وبمقتضى ذلك تقوم المطاحن التابعة للدولة بشراء القمح بالسعر الحر، ثم تبدأ فى بيع هذا الدقيق للمخابز أيضا بالسعر الحر، ثم يباع الرغيف للمواطن بنفس سعره 5 قروش، وتتحمل الدولة فارق التكلفة، وينضم إلى المنظومة المحافظون فى الإشراف والتوزيع على الخبز من خلال الوحدات المحلية أو الجمعيات الأهلية، وهذه المنظومة كما تؤكد الدراسات أنها توفر أكثر من 11 مليار جنيه سنويا، كانت تصب فى جيوب أصحاب المخابز عبر تسريب الدقيق المدعم إلى السوق السوداء، وأيضا المنظومة ستضمن وجود رغيف على مستوى جيد لأن العقد الجديد بين أصحاب المخابز ووزارة التموين يحصن الخبز المستلم من أصحاب المخابز فى كونه على درجة عالية من الجودة، وإلا ستكون الغرامة التى تصل فى بعض الأحوال إلى سحب الرخصة، وتركَ لكل محافظة أن تبتكر منظومة لتوزيع الخبز على حساب سلوك المستهلكين القاطنين فيها، ومن المعروف أن مصر ستسهلك ما يقرب من 9 إلى 10 ملايين طن قمح سنويا، تنتج منها أكثر من 240 مليون رغيف يوميا، عندما يتم القسمة على 90 مليونًا يحصل كل مواطن على رغيفين، وتقدر الإحصائيات أن 35 مليون مواطن فقط فى مصر هم الذين يحصلون على رغيف العيش المدعم، ويتضح من خلال المنظومة أن هناك فكرًا جيدًا لتجفيف منابع تهريب الدقيق، وهذا ما يفسر تلك الهجمة الشرسة التى تتابعها وسائل الإعلام من رفض قطاع كبير من أصحاب المخابز لتلك المنظومة، والسبب واضح ولا يحتاج إلى تحليل، هؤلاء الآلاف الذين شاهدتموهم أمام وزارة التموين يهتفون ضد الوزارة والمنظومة هم من يبحثون عن سرقة المال العام من خلال تسريب الدقيق المدعم إلى السوق السوداء.
إن كثيرًا من أصحاب المخابز على مستوى القطر المصرى طوال السنوات السابقة وتحديدا أيام الرئيس المخلوع اكتسبوا الكثير من المال العام، من خلال بيعهم للدقيق المدعم فى السوق السوداء ولكن من الحق والإنصاف أن نؤكد أن تكلفة إنتاج الرغيف كانت دائما تزاحم الربح، وبما أن أكثر التجار فى مصر يفكرون دائما فى الربح الكبير وليس القليل، وهذه سمة مصرية خالصة فالسوق المصرية التى يتحكم فيه التجار فى جميع أنواعها دائما يبحثون عن الأرقام الخيالية فى الربح، لذلك كان أصحاب المخابز يتعللون دائما بأن الربح قليل، لذلك يضطرون إلى البيع فى السوق السوداء. وهذا ما نراه أيضا أخيرا فى أزمة منظومة الخبز الجديدة، الوزارة أكدت أن تكلفة إنتاج جوال الدقيق 80 جنيهًا وأصحاب المخابز يؤكدون أنها 120 جنيهًا، وأنا شخصيا أميل إلى تكلفة الوزارة، ولكننى أرى أننا إزاء هذا الموقف الصعب الذى يمر بمصر لا بد أن تكون العقول متفتحة، والقلوب ودودة، حتى نصل إلى حل لمشكلة رغيف العيش مع أصحاب المخابز، حتى ولو تمت زيادة أرباحهم من إنتاج الدقيق، وأرى أن فكرة إعادة النظر فى العقد المبرم بين الوزارة وأصحاب المخابز فكرة صائبة وعليها يمكن أن نعيد تقدير تكلفة إنتاج الخبز بالطريقة التى تضمن العدل، وأرى أن فكرة إلغاء الغرامات والديون الخاصة بالمخابز والتى يطالب بها أصحاب المخابز فكرة صائبة، ولا أرى ضررا فى بنود العقد الجديد بين الوزارة وأصحاب المخابز، بل أرى أنها يحتوى بنودًا عادلة، فعندما يكون فى العقد أنه فى حالة ثبوت تزوير أوراق تسليم الخبز إلى الجهة المختصة بالتوزيع يتم تغريم صاحب المخبز 100% من حصة الدقيق فى السوق الحرة (وإيه اللى يزعل أصحاب المخابز فى ذلك غير أنهم ناويين يزوروا) وأيضا أنا شخصيا مع أن يكون هناك عقوبة تقدر بـ50% من حصة الدقيق فىحال إنتاج الخبز ناقص الوزن أو الامتناع عن تسليم الخبز (هناك تاريخ حافل لأصحاب المخبز فى مصر فى هذا المجال) وأنا شخصيا مع تغريم صاحب المخبز 25% من قيمة حصة الدقيق فى حالة عدم الإمساك بسجلات التفتيش والامتناع عن تسليم جزء من الخبز (وهذا أيضا يمتلك فيه أصحاب المخابز فى مصر تاريخًا حافلًا بالمخالفات).. ولا يمكن بأى حال من الأحوال لأصحاب المخابز التعلل بمشكلة السولار هذه الأيام طالما أن المنظومة سيعاد التفكير فيها وفى تكاليف إنتاج الخبز كل ثلاثة أشهر، ونحن هنا نطالب الوزارة ووزير التموين د.باسم عودة أن يراعى ذلك بقد الإمكان حتى لا ىتعلل أصحاب المخابز بمشكلة السولار الموجودة هذه الأيام، وخصوصا أن هناك معلومات تؤكد أن وزارة التموين بالاشتراك مع وزارة البترول ستحدد أماكن معينة لصرف السولار لأصحاب المخابز.
إن تهديد أصحاب المخابز فى مصر بالإضراب عن العمل شىء خطير ويدعو إلى الحيطة والحذر من الوزارة ومن المجتمع. إن ما يتخيله البعض أنه قادر على أن يمنع رغيف الخبز من على موائد المصريين الفقراء والأغنياء حتى ولو ليوم واحد شخص خائن لوطنه ولشعبه وعلينا مواجهته بكل السبل، وهذا لا يعنى أن هناك الكثير من أصحاب المخابز الشرفاء الذين لا يرضون بالمرة أن يضعوا بلدهم وشعبهم تحت هذا الظرف، حتى لو كنا تحت حكم إخوانى نرفضه جميعا، إن على الجميع أن يعى أن مشكلة الخبز مشكلة ليست سهلة، وعلى الجميع أن يتكاتف لحلها وعلى الجميع أن يعلم أن المنظومة الجديدة ستوفر ما لا يقل عن 11 مليار جنيه سنويا، وهذا يدعونا جميعا للقتال من أجل أن نصل إلى حل للمشكلات الموجودة حاليا بين الوزارة وأصحاب المخابز حتى نوفر تلك المليارات المهدرة من خزينة الدولة، والذاهبة إلى جيوب أصحاب المخابز.
علينا أن نتكاتف جميعا لتنفيذ المنظومة حتى ولو كانت تحت إشراف الإخوان المسلمين ونحن بالطبع أشد خصومهم السياسيين.