هناك معنى من وراء قيام رئيس الجمهورية بالصلاة فى مسجد المنطقة العسكرية.. هناك أيضاً رسالة واضحة للمنادين بنزول الجيش.. التوقيت مهم للغاية.. هناك ثوار يزحفون إلى المقطم يطالبون النظام بالرحيل.. فى الوقت نفسه يطالبون بنزول العسكر.. أراد الرئيس أن يقول «العسكر جنودى.. العسكر ليسوا كما تظنون».. لكن يبقى السؤال: هل كان يرتدى القميص الواقى؟!
على غير عادته، صلى «مرسى» وسط القادة والجنود.. لم يصلِّ معهم فى مسجد آل رشدان، فى ذكرى يوم الشهيد.. كان يصلى وحده فى مسجد الشربتلى.. ما الذى جدّ الآن؟.. لا توجد مناسبة أصلاً.. لا يوجد مبرر منطقى.. مع ذلك صلّى وألقى كلمة للقادة.. الرئيس يشعر بالقلق.. تلتف حوله حراسته، رغم أنه وسط جنوده.. مصدر القلق أن المظاهرات تتجه للمقطم.. لم تعد تتجه للقصر!
الصلاة فى مقر القيادة المركزية للجيش تعنى أن الرئيس يتحصن بالقوات المسلحة.. إلقاء كلمة فى الحاضرين يعنى أنه يتودد إليهم.. بالتأكيد هو يسمع نداء المعارضين بنزول الجيش.. يحاول أن يقرأ العيون.. هل ينزل الجيش؟.. متى ينزل الجيش؟.. ماذا تبقى للرئيس فى الحكم؟.. الجيش لم يقف مع مبارك مع أنه منهم.. إنه صاحب الضربة الجوية.. يسأل نفسه: هل يبيعنى الجيش؟!
الزحف الغاضب انقسم إلى فريقين.. المعلومات تأتى للرئيس فى مقر القيادة.. بعض الثوار زحفوا إلى مقر الجماعة فى المقطم.. بعضهم زحفوا إلى بيت الرئيس فى التجمع.. الذين توجهوا إلى المقطم يريدون أن يردوا الاعتبار.. الذين زحفوا إلى التجمع نثروا البرسيم على باب الرئيس.. ما دلالة زحف المقطم؟ وما دلالة نثر البرسيم؟.. طبيعى أن يرسل مرسى رسالة من مقر المنطقة المركزية!
الرسائل المتبادلة بين الرئيس والثوار لا تخطئ الأبصار.. اعملوا ما شئتم!.. الرئيس صلى وخطب فى القادة وتناول الغداء.. ثوار بلا قوة.. النتيجة لا شىء.. فى الوقت نفسه مرسى لا يبالغ فى الاطمئنان للجيش.. لا ينسى أن السادات تعرض للاغتيال وسط جنوده.. يومها لم يلبس القميص الواقى.. جيهان توسلت إليه أن يلبسه.. السادات قال بإباء وكبرياء: دول أولادى يا جيهان(!)
المعنيون بالتحليل النفسى يعرفون أن الرئيس لم يعد كما كان.. مرسى ليس هو مرسى الذى فتح صدره فى الميدان.. يومها تباهى بأنه لا يلبس القميص الواقى.. الآن فقد كثيراً من براءته.. فقد كثيراً من بهجة الحكم.. أصبح خائفاً مشتتاً.. يخشى الذهاب إلى الاتحادية.. يخشى الذهاب إلى الصلاة.. يلتف حوله الحرس فى المسجد.. خطيب الجمعة ذكّره بحكاية: «حكمت، فعدلت، فأمنت»!
لماذا لا يقدم الرئيس مبادرة؟.. الإجابة: مرسى لا يملك المبادرة.. ربما لأنه لا يحكم.. الثوار يهتفون: «يسقط يسقط حكم المرشد».. المعنى أنه لا يحكم.. المعنى أن الرئاسة تدار من المقطم.. لذلك زحف الثوار إلى المقطم.. تطوع سائقو الميكروباص بالنقل مجاناً.. رايح المقطم ببلاش!.. الناس زهقت.. اتخنقت.. لا مانع أن يدفعوا الثمن.. مبادرة واحدة كانت تحل الأزمة.. المرشد لا يريد!
يستطيع الرئيس أن يستوعب رسالة الشيخ عمر هاشم حين تحدث عن العدل سبيلاً إلى الأمن.. إن لم يكن فليستمع إلى الشيخ محمد حسان.. حذر من الصراع على المناصب وكراسى السلطة.. لا الرئيس استوعب رسالة عمر هاشم، ولا المرشد استوعب رسالة الشيخ حسان.. هل نترك مصر تغرق بحجة شرعية صندوق الانتخابات؟!