من خلال تواجدى بأحد مراكز الفكر الأوروبية تابعت الرؤى السياسية التى تتباحثها مراكز قريبة من دوائر صنع القرار بالولايات المتحدة وأوروبا، هذا بالإضافة إلى متابعتى مواقفهم الرسمية. وبالفعل تأكد لى أن الغرب والإخوان يتشاطرون نفس الرؤية الضيقة حينما يتعلق الأمر بالتحول الديمقراطى فى مصر، فالاثنان يعطيان الأولوية لإجراء الانتخابات النزيهة بغض النظر عن إجراء أى إصلاح مؤسسى وسياسى يضمن الحقوق والحريات والكفاءة.
يتوهم من يصدّق أن الحكومات الغربية تدافع بحق عن قيم عليا ديمقراطية، فعندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط لا تعلو سوى لغة المصالح الاستراتيجية ولو على حساب الإنسان وحقوقه. فالغرب الذى دعّم سابقاً وبشكل واضح إصلاح مؤسسات القضاء والداخلية والنظام الإدارى غير الكفء فى دول أوروبا الشرقية، بل وضغط بكل قوته من أجل صياغة قواعد جديدة لإدارة اللعبة السياسية هناك لأن مصالحه اقتضت ذلك، هو نفسه الذى يرى حاليا أن هذه الإجراءات غير مهمة لتحقيق الديمقراطية فى مصر.
إلا أن الرهانات المنقوصة تؤدى دائماً إلى نتائج خاطئة! فرهان الولايات المتحدة على الإخوان كان سببه الرئيسى قدرتهم على إعمال الاستقرار فى البلاد باعتبارهم أكبر فصيل سياسى منظم، استقرار من شأنه دفع مصر للسيطرة على حدودها فى سيناء، والتعهد بحماية أمن إسرائيل، وحماية الملاحة فى قناة السويس. لذا شجعوا إجراء استفتاء سريع، ولو على دستور مهين، وانتخابات برلمانية لا تسبقها أى إصلاحات سياسية.
أما الآن، فإن انتشار الفوضى والعنف نتيجة سياسات جماعة الإخوان السلطوية وفشلهم فى إدارة الدولة كفيل بإجراء مراجعات، لكنها لن تكون حاسمة أو نهائية. بالتأكيد، ترتفع حدة النقد فى الميديا الأمريكية والأوروبية، كما يشتد الزجر فى الأوساط البرلمانية. وآخر هذه التجليات توصيات البرلمان الأوروبى بربط الدعم الاقتصادى لمصر بما تحققه من تطور ديمقراطى، غير أن هذه التوصيات، وفقا للآلية الداخلية للاتحاد الأوروبى، غير ملزمة للمفوضية الأوروبية، جهته التنفيذية.
لايزال للجهات التنفيذية الغربية رأى مختلف حينما يتعلق الأمر بدعم الإخوان، فحجتهم هى غياب البديل السياسى. ويستمد هذا الرأى تأثيره من قناعة مفاداها بأن خفوت نجم الجماعة سيذهب لصالح التيار السلفى ذى الانتشار الكثيف وليس المعارضة المدنية ذات القواعد التنظيمية الضعيفة. والحقيقة هى أن نظرتهم فى مجملها لهذه الأخيرة ليست إيجابية. ففى أحيان كثيرة، وصفوها بالقوى غير المسؤولة لأنها تزيد من الضغط، ولو على حساب انهيار الدولة والاقتصاد. وفى أحيان أخرى، شعروا بأن ممارساتها هى حرب من أجل السلطة وليس نضالا من أجل الديمقراطية.
فى النهاية، وإن حكمت رؤية الخارج للداخل تحيزها المصلحى إلا إنها مرآة مفيدة لمجرياته، لذا قد يكون من المهم للمعارضة المدنية النظر فى هذه المرآة لتغيير ما تعكسه من تحديات على الأرض لصالحها، فهذا ما نأمله لها.