للأسف أسهل شىء عند الجميع هو النسيان، وكما قال محفوظ «آفة حارتنا النسيان».
لذلك هذا المقال، فقط لكى لا ننسى أن هناك فارقا ضخما بين الرسالة، أيا كانت تلك الرسالة، وحملتها، ومحاولة دمج الاثنين فى صورة بشرية، هو الخطأ الدائم الذى نمارسه، ونجور بها على الرسالة والشخص.
أبو الفتوح مثالا:
أقيل الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح فى شهر يونيو من عام 2011 بعد بداية الثورة بخمسة أشهر، وبعد الاستفتاء الأول للدستور الذى صوت عليه هو وجماعته وطالبوا المصريين بالتصويت عليه بنعم.
السبب الرئيسى لإقالة السيد أبو الفتوح هو رفض جماعة الإخوان المسلمين تسميته مرشحا رئاسيا لها، ووقتها امتلأت الفضائيات بممثلين عن الجماعة، يتحدثون عن أن أبو الفتوح رفض أمرا تنظيميا بعدم تسمية الجماعة مرشحا رئيسيا لها فى انتخابات الرئاسة.
وبناء على كلام ممثلى الجماعة فى تلك الفترة، أن جماعة الإخوان المسلمين كانت ترفض رفضا قاطعا دخول الانتخابات الرئاسية بأى شكل من الأشكال ولهذا السبب، قامت بفصل العضو المخالف فى ذلك الوقت الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح.
وبعد ذلك بعشرة أشهر سمت الجماعة السيد خيرت الشاطر مرشحا رئاسيا لها، قبل أن يٌرفض من قبل لجنة الانتخابات لعدم استيفائه الشروط، لعدم رد اعتباره فى قضيتى غسل الأموال وميليشيات الإخوان التى قدمت عرضا عسكريا فى جامعة الأزهر وقتها، وتقديم السيد محمد مرسى كمرشح بديل للجماعة.
أحب أن أذكركم بالتالى:
1- نفى السيد أبو الفتوح بشدة وقتها ما تردد عن تقديمه استقالته من الجماعة، وأكد أنه لن يستقيل، فأقالته الجماعة.
2- نفى السيد أبو الفتوح بشدة أيضا وقتها «قبل أن يقال من الجماعة» أى نية لديه للترشح لرئاسة الجمهورية، وأن ما يحدث هو مطالبات من شباب الجماعة والثورة له، لكى يخوض الانتخابات.
3- الهتاف الأشهر للإسلاميين «إخوان مسلمين.. سلفيين وغيرهم» و«هى لله هى لله.. لا لسلطة ولا لجاه»، وهو ما يؤكدوه يوميا، بفعل العكس تماما.
عودة بعد التذكرة
عندما أثير أن لدى السيد أبو الفتوح نيه للترشح، بناء على ما أسماه وقتها «مطالبة شباب الثورة له بذلك»، تداول الإعلام نية السيد أبو الفتوح الاستقالة.. الاستقلال عن الجماعة، وهو ما نفاه بشدة وقتها.
أقتبس هنا كلماته:
«أن ذلك لا أساس له من الصحة وليس واردا أو مطروحا لدىّ، فجماعة الإخوان هى بيتى الذى بنيته وكنت خادما وحارسا له وكل ما هنالك أننى أعلنت سابقا فى حال ترشحى للرئاسة فسأقدم استقالتى بشكل إدارى فقط من الجماعة، احتراما لموقفها من الرئاسة وحتى أكون مرشحا مستقلا لكن طالما ما زلت أدرس الأمر فإن ذلك لم يحدث، وما حدث مجرد عبث إعلامى وأمنى حيث إن أطراف وأجهزة الأمن ما زالت تعبث بأجهزة الإعلام وأحذر من استمرار تلك الأطراف الأمنية» جريدة «البديل» 5-4-2011.
بعد ذلك بفترة ليست بالطويلة -شهر ونصف الشهر- وبعد إقالته من الإخوان
نشرت الجرائد المصرية الخبر التالى:
«كشف الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية، أنه جمد نشاطه الإدارى مع جماعة الإخوان المسلمين، منذ يوم 11 فبراير، عقب سقوط نظام حسنى مبارك الرئيس السابق، وأرسل مذكرة إلى الجماعة بذلك، موضحا أن مبادئه التى تربى عليها ترفض أن يكون ترشحه على الرئاسة لعبة مع الإخوان. جريدة «المصرى اليوم» 9-6-2011.
لم يعد الموضوع مجرد آفة، بل أصبحت لعنة هذه الأرض النسيان...
خلال أقل من شهرين يغير الرجل كلامه تماما، من وصفه لأنباء تقديم استقالته بأنها عبث إعلامى وأمنى، إلى أنه كان مجمدا لنشاطه بناء على مذكرة أرسلها إلى الجماعة…
لا أستطيع أن أسمى ذلك كذبا، فلعنة السرية فى الجماعات المغلقة، هى المسببة لكل ذلك.
فبسبب سرية الجماعة لم يتمكن الرجل من إثبات- إظهار موقفه.
وبسبب سرية الجماعة والخلافات الداخلية والتى انتهت برحيله هو ونائب المرشد السابق الدكتور محمد حبيب، لم يستطع الرجل أن يظهر كل ما لديه، وعندى يقين أن لدى الرجل الكثير.
لا اعتراض لدى، سواء اعتبرنا ما حدث منه كذبا صريحا واضحا، أو حتمية السرية التى أقسم عليها، والتى لا يستطيع لأسباب أمنية أو أخلاقية، أن يخالفها، أدت به إلى المراوغة ونفى الأمر وتأكيده أكثر من مرة.
لكن اعتراضى الواضح، هو أن ننسى، وأن نتعامل مع الدكتور أبو الفتوح أو غيره على أنهم، لا يخطئون وأنهم الأصلح لإدارة البلد فى وقت من الأوقات، أو عندما يأتى الوقت، ويأتى نفس السياسيين المائعين، ويخبرونا أنه لا بد من اختياره، لأنه الاختيار الأصلح، والمحسوب على تيار الثورة «كما فعل نفس المائعين مع مرسى»، ولا بد من عصر الليمون، ونتحمل لأن ووقتها سيكون الاختيار الآخر أسوء كثيرا من السيد أبو الفتوح.
كل ما أريده، أنه ولو لمرة واحدة نكتفى من حتمية الاختيار، ولو لمرة واحدة نختار أن لا نختار، وأن نثبت ذلك الموقف، وأن هذه اللعبة سئمنا منها، وأننا لن نعود مرة أخرى ثيرانا فى ساقية، وأننا يمكن كما قال جاهين: «اقلع غماك يا تور وبطل تلف.. اكسر تروس الساقية واشتم وتف».