على طريقة الميديا الأمريكية التى تتفنن فى تسويق الزعامات بوصفها نوعا من السلع جاء الشيخ مرسى ليرأس جمهورية مصر العربية. حقا لم تستطع الميديا الأمريكية أن تصنع من الفسيخ شربات لكنها حاولت قدر الإمكان تحسين الصورة. ومع هذا لا يفتح الشيخ مرسى فمه فى مكان عام أو من خلال التليفزيون حتى يبدو من الواضح أن المونتاج لا غنى عنه. إلى درجة أننى أصبحت أخشى أن تكون أحاديثه الخاصة هى الأخرى فى حاجة إلى المونتاج. المؤسف أن من يقومون بعمليات المونتاج من داخل الجماعة أو أهل الثقة لديها فى الأصل سمكرية أو نجارين مسلح. الأخ محمد مرسى لا يستطيع الحياة بدون مونتير يمشى خلفه باستمرار. لا إضافة إلى ما سبق أن قدمته شركات تجميل المخلوع فى عروضها الأخيرة. المشهد فى الإجمال هو نفسه تقريبا أو من غير تقريبا. إنه لا يختلف فى الواقع إلا من حيث اللحية. أصيبت بالتدهور الحاد العناصر الفنية كلها كتكنيك الإخراج أو التفاصيل ذات الطابع الشكلى المحض: زاوية الكاميرا أو حجم اللقطة أو درجة الإضاءة. ماركات الملابس أو مكيجة الممثلين شهدت تدنيا مخيفا من حيث الذوق الذى أصبح بيئة البيئة، فضلا عن حركات اليدين والذراعين والأصابع التى لا تأثير لها على الحبكة الدرامية أو مسار الأحداث. فقط تترك انطباعا سيئاً عند كل من تابعوها. وعلى الرغم من السفه الإنتاجى بغرض الإبهار نظراً لهذه العلاقة الغرامية بين أيدى الطبقة الحاكمة الجديدة والمال العام إثباتا لصحة المثل القائل: من شبع بعد جوعة ادعو له ما يتخبلش. على الرغم من الاستعانة بأعداد هائلة من الكومبارس، وبأشهر خبراء الخدع فى هوليود وبهلوانات السيرك السياسى فلقد جاءت المحصلة النهائية نموذجا لأفلام المقاولات ولم يقتصر الهبوط على الجانب الفنى وحده.
قل لى من يمولك أقل لك من أنت. وعلى رأى المخضرمين فى الوسط الفنى: المنتج هو صاحب الشغل الوحيد. بدونه تبقى أخطر المشاريع الفنية مجرد أفكار على الورق. هو وحده يتمتع بحق الفيتو وعلى من يتحدى إرادته أن يتعلم كيف يسدد على داير مليم فاتورة التغريد خارج السرب. يحدث هذا نفسه على نطاق أوسع فى السياسة. لا شىء فى الحقيقة يبعث على الاستغراب أو فليخبرنا أحد كيف أن حسن البنا أو فضيلة المرشد -كما اشترط هو على أتباعه أن ينادوه- اعتاد على تلقى التبرعات السخية من المدير الفرنسى لشركة قناة السويس. كانت الشركة تتصرف فى الواقع هكذا بالنيابة عن مجمل المصالح الغربية فى مصر والمنطقة. عموما سأله المدير الفرنسى لشركة قناة السويس: أيهما أفضل فى الحكم مصرى ظالم أم أجنبى عادل؟ قال حسن البنا: مسألة كهذه تحتاج إلى تفكير. الإجابة أعجبت المدير الفرنسى. فنفحه مبلغاً كبيراً من المال. ما أعجب مدير شركة القناة فى هذه الإجابة هو تردد البنا، التردد يمكن دائماً البناء عليه وهو ما حدث بعد ذلك بالفعل.
لم تقتصر مصادر التمويل على المدير الفرنسى لشركة قناة السويس. بل تجاوزته لتشمل أيضا العائلة المالكة ذات التوجه الوهابى فى السعودية. فضلا عن المندوب السامى البريطانى فى القاهرة الذى اعتبر أن الجماعة هى الحل السحرى لضرب الوحدة الوطنية التى أرقت المحتل أثناء ثورة 1919 تحت شعار: عاش الهلال مع الصليب. وسرعان ما امتدت الأصابع الأمريكية لتعبث هى الأخرى فى الظلام ثم شاركتها قطر وبعدين اللى يسوا واللى ما يسواش. الوثائق المفرج عنها حديثا من وزارتى الخارجية فى لندن وواشنطن عن تلك الفترة هى التى أسقطت ورقة التوت الأخيرة عن جسد الجماعة المترهل. بالطبع ليس كل الشباب المضللين داخل الجماعة على علم بهذه العلاقات التحت أرضية. أغلبهم ينطبق عليه المثل القائل: الصبيان ما يعرفوش المعلم الكبير.
ما يثير السخرية حقا هو تلك العقلية ذات البعدين التى لا تعترف بالتعددية أو التنوع. كل من يختلف مع الجماعة الفاشية التى تريد العودة بنا إلى ليل القرون الوسطى لابد أن يكون بالضرورة من فلول النظام البائد أو البلطجية المأجورين. لابد أنه ينتمى إلى الأغلبية المندسة التى تكره الإخوان. ما حدش عارف ليه؟ لماذا لا نجرب تمزيق ورقة الامتحان والبحث عن الحل خارج المقرر؟
عندما يلتصق الحاكم بالكرسى خلال أشهر معدودة إلى درجة التوحد كأنهما تمثال من قطعة خشب واحدة فإن الحل الوحيد للفصل بينهما هو الشاكوش. عندما يتخذ احتكار السلطة داخل جماعة غير مشروعة أو الاحتفاظ بها إلى الأبد انطلاقا من بارانويا امتلاك الأرض بمن عليها، شكل الوسواس القهرى، فإن الاتجاه إلى القوى الأجنبية أو الخضوع لها أو التدحرج -بالركل فى المؤخرة- على سلم التنازلات المصيرية حتى الغوص فى الوحل أو طرح الإرادة الوطنية فى البورصة تبعا لآليات السوق مقابل إبقاء الجماعة مالكة أبدية لعمارة أو عزبة على هيئة بلد اشترته بعقد مزور، تصبح كل هذه التداعيات مجرد حلقات متكررة ضمن مسلسل تحفظه الشعوب عن ظهر قلب، أول ما يتبادر إلى ذهن النظام الذى تعرى بالكامل فى مرحلة كهذه هو أن يضع على عينيه ضمادة سوداء، متوهماً أنه بهذه الخرقة يدارى عورته لمجرد أنه لا يرى كيف أن ملايين الناس تراه. الدليل على ذلك هو هذا الذى يسمى حاليا فى مصر بقوانين العار التى تكبل حرية الفكر أو التعبير أو الإبداع. فلو أن بنات الليل هن من يملكن السلطة التشريعية غصبا كما يحدث فى هذه اللحظة، لأوجب القانون بلا أدنى شك عقوبة الحبس إذا تعرض صحفى ما لجرائم الآداب. وعلى افتراض أن الأمر كان بيد تجار الكيف، المخدرات سابقا، لأكد النص صراحة على ضرورة الحبس لكل من تسول له نفسه التشكيك فى طهارة أيدى تجار المخدرات. لكن العصابة الحاكمة المسماة بجماعة الإخوان هى من تنفرد بوضع التشريعات، فكان من الطبيعى أن تأتى الصياغة على مقاس المرشد وجماعته ومرسيه.
لا شىء أصبح قادرا على مداراة عورة الجماعة إلا الرحيل وقد لا يكون حتى هذا فى الإمكان.