■ لم تكن زيارة وزير الخارجية الأمريكى «جون كيرى» إلى القاهرة خلال الأسبوع الماضى زيارة عادية لأى وزير «أمريكانى» للمنطقة، خاصة فى بلدنا العزيز مصر، لأن الوزير المذكور مسؤول سياسى كبير، ومقاتل قديم فى سلاح البحرية الأمريكية منذ حرب فيتنام، كما عمل حاكماً لإحدى الولايات الأمريكية، كما كان عضواً بمجلس الشيوخ خلال الثمانينيات والتسعينيات، ورئيساً للجنة الشؤون الدولية، ومرشحاً سابقاً للرئاسة الأمريكية منافساً لجورج بوش الابن، لهذا كانت زيارة الثعلب الأمريكى العجوز والوزير فى إدارة أوباما زيارة غير عادية!!
■ ولأنه لا يخفى على كثير من المصريين تاريخ الرجل، فلم ينخدعوا بتصريحاته أثناء الزيارة بأنه أتى إلى مصر كصديق قديم، كما كشفت تصريحاته التى أطلقها عقب لقائه بالرئاسة بأنه «اطمأن على المسار الديمقراطى الذى ينتهجه الرئيس مرسى.. وعلى حيادية القوات المسلحة»، مؤكداً اهتمام بلاده بالأوضاع الاقتصادية التى تمر بها مصر، وما أوصى به بعض ممثلى التيارات المعارضة المختارة.. أوصاهم ونصحهم بالمشاركة فى الانتخابات البرلمانية.. كما نصح الرئاسة بحكومة توافقية، ولعل أقوى الكلمات كانت مفردات كلمة الإعلامية والناشطة جميلة إسماعيل، والمقاتل محمد أبوحامد، النائب السابق بمجلس الشعب.. على عكس غيرهما من الحضور الذين كانوا مولعين بالموسيقى التى عزفها الوزير العجوز.. أو يخطبون ود بلاده!!
■ وإذا كان الوزير المخضرم لم يعبّر بكلمة واحدة عن رؤيته لما يجرى فى البلاد من الثورة الشعبية الحقيقية الملتهبة فى جميع محافظات مصر.. ومن التيارات الثورية، كما لم يعبر عن مسبباتها ولا عن الخطايا والموبقات التى ارتكبها النظام منذ الصراع على الانتخابات الرئاسية وتزوير الانتخابات، وخطة السيطرة على البرلمان ومفاصل الدولة والاعتداء على القضاء.. ومحاصرة المحكمة الدستورية العليا، وإعداد الدستور وفرضه على الشعب بالقوة بأقلية غير مسبوقة.. والعودة إلى فرض قانون الانتخاب.. وتفصيل الدوائر الانتخابية لصالح النظام، والدعوة إلى حوارات صورية.. ثم التنصل من نتائجها، ومحاولة الانتقام والسيطرة والإقصاء فى صورة لم تشهدها مصر من قبل، كل ذلك لم يعبر عنه الوزير العجوز بكلمة واحدة فقط.. اكتفى بالإشارة إلى أنه «اطمأن على المسار الديمقراطى، وأن بلاده لا تتدخل فى حل تلك المشاكل لأنها شأن داخلى، وأن شعب مصر رغم عجزه عن حلها.. فإنه يرفض التدخل والمساعدة، وأن مصر ليست حليفة.. ولا عدوة»، لكن المؤكد أن الوزير المخضرم سوف ينقل كل ما شاهده فى البلاد إلى إدارة أوباما وإلى كل من يعنيه الأمر فى الولايات المتحدة الأمريكية عن سقوط شعبية النظام وسخط الأغلبية الكاسحة على إدارة البلاد وعلى ما يجرى فيها.
■ ولهذا فلقد كشف هذا اللقاء المستور عن العلاقة الخفية بين إدارة أوباما والنظام.. خاصة أن الإدارة الأمريكية تزهو وتتفاخر بأنها لم تدرج جماعة الإخوان المسلمين مع الجماعات الإسلامية وجماعة الجهاد من بين الجماعات الإرهابية، وهو أمر يعترف به قيادات الإخوان أنفسهم ولا ينكرون لهم هذا الفضل، بل إن بعض قيادات جماعة الإخوان يعترفون بأنهم قد تلقوا تعليماً وتدريباً فى الولايات المتحدة الأمريكية.. وأنهم يرتبطون معها معنوياً وثقافياً، وقد اعترف أحد قياداتهم فى واشنطن بقوله: «لقد تربى مرسى فى كنفكم، وثقافته وعلمه أمريكيان، ويدين لكم بالفضل فى تعليمه»!!
■ وفى تصريح للسيد عصام العريان قال: «اضمنوا لنا الاستمرار فى الحكم نضمن لكم أمن إسرائيل».. كما صرح القيادى الإخوانى خيرت الشاطر فى واشنطن بأن الجماعة ملتزمة بالاتفاقيات الدولية، وأن حماية إسرائيل ضمن تلك الالتزامات.. إضافة إلى ما أعلن عنه شهود عيان وخبراء من أنه قد تم ترتيب لقاءات بين الجماعة وإدارة أوباما أثناء الانتخابات الرئاسية.. بل الأخطر من ذلك الاستجواب المدوى الذى فجّره عضو الكونجرس «فرانك وولف» الذى تقدم بمذكرة قانونية مدعمة بالمستندات للكونجرس، يطلب فيها مساءلة أوباما والتحقيق معه ووزيرة الخارجية هيلارى كلينتون، بشأن دعم جماعة الإخوان بمبلغ خمسين مليون دولار فى الانتخابات الرئاسية، فضلاً عن عاصفة الأسئلة أمام الكونجرس الأمريكى، ومحورها الأساسى السر فى دعم الإدارة الأمريكية لتيار الإسلام السياسى الحاكم فى مصر، رغم استمرار إطلاق بعض قيادات التيار التصريحات العدائية ضد تل أبيب. وفى السياق ذاته أكد «ميت رومنى»، المرشح الجمهورى السابق فى انتخابات الرئاسة الأمريكية أمام أوباما، المعلومات نفسها.. وهكذا انكشف المستور فى زيارة الوزير عندما اطمأن على المسار الديمقراطى فى مصر.. وأن المصريين عليهم أن يحلوا مشاكلهم.. وأنه يدعو المعارضة للمشاركة فى الانتخابات!!
■ ويكشف اللقاء كذلك عن السر فى ذلك الدعم، وعن تلك الصفقات الخفية والظاهرة بين إدارة أوباما والنظام الحاكم فى البلاد.. وعن موقفهم من حماس.. وأمن إسرائيل.. والقنبلة النووية الإيرانية.. وعن رسم السياسة الأمريكية فى المنطقة عن طريق النظام الإخوانى فى مصر باعتبارها مفتاح المنطقة وأكبر مؤثر فيها، خاصة أن الوزير المخضرم قد أجاب فى مؤتمره الصحفى بأن الولايات المتحدة تضع أمن إسرائيل فى مقدمة أولوياتها، وأن المساعدات الأمريكية تأتى فى إطار حرص أمريكا على مصالحها فى مصر فكانت المساعدات محدودة.. والتصريحات توافقية.. ولن تحل الأزمة المصرية.. الأمر الذى يلقى ظلالاً كثيفة على المستقبل قد تكون بشيراً لسيناريو جديد فى الطريق.
■ المهم أن زيارة الوزير الأمريكى كشفت المستور للشعب المصرى عن العلاقة المشبوهة بين إدارة الإخوان فى البلاد.. وإدارة أوباما التى تحرص على استرضائها.. لضمان استمرارهم فى الحكم مقابل ضمان «أمن إسرائيل»، والتزاماً بتحقيق المصالح الأمريكية فى المنطقة والعلاقة الإيرانية.. وما يستجد.. وهو ما يفسر أن نظام الحكم فى البلاد لا يعنيه ما يجرى فى الشارع المصرى.. ولا ما تعبر عنه الإرادة الشعبية من غضب مهما بلغ، أو معارضة مهما كانت موضوعية، وكل ما يعنى النظام استرضاء الإدارة الأمريكية.. ضماناً لاستمراره فى الحكم.. مقابل تحقيق التزاماته فى المنطقة.. ولسوف ينكشف الغطاء الخادع فى القريب العاجل عندما يختلف الفريقان ويرفع الأمريكان أيديهم عن الحماية فى أول الطريق بسبب سقوط شعبية النظام، والفشل فى إدارة شؤون البلاد بعد أن سقطت السيطرة على البلاد.. وفشل الرهان!!