لا تيأس أيها المريض إذا اشتدّ عليك المرض ولازمك فترة طويلة أو آلمك الألم.. فقد جعل الله سيدنا أيوب قدوة للمرضى وحجة عليهم.. فى صبره صبراً جميلاً ورضاه عن ربه رغم ابتلائه بأشد الأمراض الجلدية فتكاً وهو «الداء الفقاعى» الذى جعل جلده يتساقط كما تتساقط أوراق الشجر فى فصل الخريف.. وجعل الناس ينفرون منه وهو نبى الله إليهم.
لا تيأس من الشفاء والجأ إلى ربك خاضعاً خاشعاً ذليلاً باكياً مستجمعاً قلبك ومشاعرك، ومنادياً بها وملحاً على ربك «أَنِّى مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ».
لا تيأس إذا سُجنت أو اعتقلت أو ظُلمت أو وُجّهت إليك السهام الطائشة كيداً أو حسداً أو طمعاً.. فقد جعل الله لك فى يوسف الصديق، عليه السلام، قدوة، وجعله حجة على السجناء والمعتقلين فى كل عصر.. ليصبروا ويحسنوا ويرضوا عن ربهم ويرفضوا لغة الانتقام من خصومهم إذا تمكنوا منهم.
فقد أحسن يوسف، عليه السلام، فى السجن حتى وصفه السجناء بقولهم: «إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ».. وأحسن إلى إخوته- الذين أرادوا قتله وألقوه فى الجبّ وكانوا فيه من الزاهدين- بعد أن تمكن منهم ورفض أن يسدد إليهم رمية برميتهم السابقة، ولا حقداً بحقدهم، ولا حسداً بحسدهم، لكنه قال لهم فى أدب عظيم: «لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ».
لا تيأس إذا كان عليك دين لم تستطع أداءه فضاقت عليك الدنيا بما رحبت.. فالدنيا دوّارة، فاليوم عليك دين وغداً لك عند الآخرين دين.. والغنى المطلق هو لله سبحانه وتعالى الذى لا تفنى خزائنه.. أما سائر البشر فهم يدورون بين الغنى والفقر، ويتقلبون من حال إلى حال.. فإن كتب الله عليهم الفقر دائماً يئسوا وقنطوا وقد يكفرون ويجحدون، فالفقر مرتبط بالكفر، كما قال صلى الله عليه وسلم: «اللهم إنى أعوذ بك من الكفر والفقر».. وإن أغناهم باستمرار تبطروا وتكبروا إلا من رحم ربك.
وعلى كل من عليه دين يؤرقه أن يتذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم- وهو من هو- والذى جمع رياسة الدنيا والدين مات ودرعه مرهونة عند يهودى فى صاع من تمر أو شعير.. فنبى الله لا يجد مالاً ليشترى لأسرته ما يساوى عدة كيلوجرامات من التمر والشعير رغم أن كنوز الدنيا كلها كانت تحت قدميه.
وعلى كل من عليه دين أن يدعو بدعاء قضاء الدين، فما دعوت به فى المعتقل لديون ركبتنى إلا ويسّر الله قضاءها.. حتى إننى كنت أعلقه على باب الزنزانة من الداخل فإذا وقفت أكلم أحداً قرأته عدة مرات.
لا تيأسوا أحبتى.. فقد أوشك فجر الفرج أن يطلع.. وأوشكت شمس الخير أن تسطع على حياتكم.. لا تيأسوا من روح الله ورحمته التى وسعت كل شىء والتى لابد أن تسعكم.. «وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ».