من أشهر قليلة لو أتت بك الصدفة ولقيت حالك واقف فى ميدان صلاح الدين فى رفح. فسوف تجد أطفالا يدورون حولك وينادون عليك (نفق.. نفق.. لو عاوز تخش لفلسطين، بـ٥٠ جنيه بس). ١٣ كيلومترًا هى كل حدود غزة من مصر. وهى كل المسافة التى تمر من تحتها الأنفاق. لا أحد يعرف عدد الأنفاق بالضبط، غير عمر سليمان، الله يرحمه. وكان الرجل يحط خريطتها قدام ضيوفه لما تأتى سيرتها. عموما البعض بيوصلها إلى ١٣٠٠ نفق. وهو رقم مبالغ فيه. خصوصا حين نعرف أنه لم يعد يمر منها غير حاجات قليلة جدا. مثلا الأموال والحمصة (الزلط الصغير) والسولار (لأنه مدعوم وأرخص من الإسرائيلى). والمخدرات والترامادول. ثم السيارات. وأخيرا الصواريخ. وقد ذكرت تقارير عديدة أن حماس اكتشفت أجهزة تنصت إسرائيلية فى تلك الصواريخ. أما صحيفة «ونوفيل أوبزرفاتير»، الفرنسية، فقد كتبت أن حماس قطعت علاقتها بالقبائل البدوية فى سيناء بعد اكتشافها لأجهزة التنصت الإسرائيلية فى تلك الصواريخ.
السيارات لها نفق خاص بها. وأيضا وهو الأهم لها وكيل مسؤول عن إدخالها. والوكيل أخذ التوكيل من الشاطر. وهو هنا ليس توكيلا ورقيا، كما قد يقول لك رأسك، هو توكيل شفوى. قد تسأل، يعنى إيه توكيل شفوى؟ يعنى كلمتين: يا حماس لا تستلمى سيارات إلا من فلان الفلانى. أيضا ينبغى لك أن تتأكد، أنه لا تمر حبة رمل إلا بعلم حماس وتحديدا بعلم رائد العطار، القيادى فى كتائب القسام، جناح حماس العسكرى.
قبل كل شىء سيبك من حكاية قفل الأنفاق. تلك أنفاق غير قابلة للقفل من فوّهتها. وإنما بالاشتباك مع أسباب وجودها. تجفيف منابعها. وحماس التى تجبى ٢٠٪ عن كل زلطة تمر منها هى السبب الرئيسى فى وجودها. وهذا يستدعى المأزق الذى يعيش فيه إخواننا الفلسطينيون فى قطاع غزة. وهو مأزق لا يختلف عن مأزقنا فى مصر إلا فى درجة التمكين. حماس تمكنت من قطاع غزة. أما الشعب المصرى فهو ما زال يبهرنا بمقاومة لا تلين لهلاوس جماعة تتوهم أنها قادرة على التمكن من رقبته. نجح الشعب الفلسطينى، بعد نضال مُر وطويل، أن يجبر إسرائيل على الانسحاب من قطاع غزة. حينها قال آرئيل شارون، حماس هى من سيحكم قطاع غزة. وكأنه يقول للفلسطينيين سأجعلكم تدفعون ثمن هذا الانسحاب غاليا. على الجانب الآخر نجح الشعب المصرى بعد نضال مُر وطويل فى إزاحة حسنى مبارك. فجاءت هيلارى كلينتون وقالت لحسين طنطاوى، ما قمتم به مجرد انتفاضة وليس ثورة. هل تتذكرون الميديا الغربية فى ذلك الوقت، لما كانت كلها بتصف فى نفَس واحد ما قام به الشعب المصرى فى ٢٥ يناير بالانتفاضة وليس الثورة.
وهنا يأخذنى الشجون، للرائع جلال عامر، الله يرحمه. لما بكى على التليفزيون. وهو يتذكر أنه حين عاد، مع زملائه المقاتلين، منتصرين من الجبهة فى حرب أكتوبر وجدوا قدامهم من أخرج الفريسيين وبنات آوى. وألقى بها فى وجوههم. وهكذا وكأنه كتب علينا من ثورة ١٩١٩ وحتى اليوم، أننا كلما حققنا انتصارا على آلات القمع الجسدى نجد أدوات قمع العقل فى انتظارنا.
سننتصر.. والله سننتصر.. تتصور الفاشية أنها قادرة على إلغائنا وسحقنا. يبدو أنها غير فاهمة كما ينبغى أن 23% هم من وقفوا فى وجه كل العالم تقريبا، فلول وإخوان وعسكر وأمريكا وإسرائيل وقناة «الجزيرة» وقطر، حين قالوا «لا» فى استفتاء مارس الشهير. المجد للـ23% الذين قالوا «لا» فى وجه من قالوا نعم. والرحمة كل الرحمة للشاعر الكبير أمل دنقل.