ليس سراً، أن مجتمع الأعمال فى البلد، كان يترقب طوال أيام مضت، خبراً، تعلن من خلاله الدولة انفراج أزمتها التى أثيرت بلا أدنى مبرر، وبلا أى معنى، مع آل ساويرس.. ولكن.. بدلاً من أن يتلقى مجتمع الأعمال مثل هذا الخبر، فإنه تلقى لطمة ثانية، فى صورة قرار صدر صباح الأحد، بمنع 21 رجل أعمال من التصرف فى أموالهم، فى قضية «البنك الوطنى» الشهيرة!
وفى تفاصيل القرار سوف تقرأ أن من بين رجال الأعمال هؤلاء، أسماء عربية وسعودية كبيرة، كانت تستثمر بالمليارات، ولاتزال تستثمر، فى القاهرة، وخارج القاهرة، لدرجة أن استثمار أحدهم فى شرم الشيخ وحدها، بلغ 5 مليارات دولار!
وفى ضربة واحدة، أطاح القرار، بكل هذه الاستثمارات، وألقاها فى البحر، وأوقف غيرها، وأنهى تقريباً الاستثمار السعودى عندنا، وأعطى رسالة فى غاية السوء، عن أجواء الاستثمار على أرضنا!
قضية «البنك الوطنى» متهم فيها جمال وعلاء مبارك، ويبدو أن صاحب القرار فيها، كان أمام خيارين: إما أن يبرئهما، أو أن يدينهما ليس فقط مع كل الذين تعاملوا مع البنك فى فترة القضية، وإنما مع كل الذين مروا أمام البنك، ولو بالمصادفة، فى تلك الأيام، وبسرعة، انحاز صاحب القرار، إلى الخيار الثانى، وأدان الجميع، وأخذ العاطل مع الباطل، كما يقال، وأخذ البرىء بذنب المذنب، ولم يفكر ولو للحظة واحدة، فى العواقب المدمرة لقرار من هذا النوع على مستقبل الاستثمار فى البلد!
ولابد أن القرار يعيد إلى الأذهان، أجواء التأميم والمصادرة، التى كان الرئيس عبدالناصر، قد بدأها عام 1961، وهى أجواء كان من الممكن أن تكون مقبولة، ولكن فى زمنها، لأن «عبدالناصر» كان يفعلها، وفى ذهنه مبدأ، وأمامه نظرية كانت موجودة فى العالم، غير أن هذا كله، قد صار جزءاً من الماضى، ولم يعد من الممكن ابتلاعه، ولا هضمه، فى أيامنا هذه، تحت أى ظرف، خصوصاً فى ظل أحوالنا التى نحن أحوج الناس فيها، إلى إغراء أى مستثمر بالمجىء، والعمل، وخلق الفرص للعاطلين، فإذا العكس تماماً، وعلى طول الخط، هو الذى يحدث!
القاعدة القانونية تقول، إن إفلات مائة مجرم من العقاب، أفضل من أن يدان برىء واحد، ولو فكر صاحب قرار منع رجال أعمال البنك الوطنى من التصرف فى أموالهم، بهذا المنطق، لكان قد برأ علاء وجمال، بدلاً من أن يأخذ الكل هكذا، بجريرة البعض، وبدلاً من أن يكون الثمن، هو ضرب اقتصاد بلد بكامله، فى مقتل!
ولكن.. يبدو أن تبرئة علاء وجمال، حتى وإن كانت من حقهما، ليست من العرف، ولا من الدين، ولا من الأخلاق، ليصبح البديل الحاصل الآن، هو اغتيال بلد، وتخريب اقتصاده فى وضح الشمس!
والسؤال هو: هل وافق الدكتور محمد مرسى على إجراء كهذا، وهل أقره، وهو الذى يتكلم فى كل ساعة، عن جذب استثمار الخارج، وتهيئة أجوائه، ويعلم جيداً مدى حاجتنا إليه؟!.. وهل كان رئيس وزرائه، الدكتور هشام قنديل، على علم بما جرى، قبل أن يجرى على مشهد من الدنيا، بهذه الطريقة الفضائحية؟! أظن أن الأمر فى حاجة إلى تحقيق سريع، يستدرك عواقب القرار الوخيمة على صورتنا أمام استثمار الخارج.