لم يكن تهديد وزير الاستثمار، أسامة صالح، لإصدار قوانين رادعة لمعاقبة القنوات الفضائية صادما، لأنه في واقع الأمر يعكس الحالة الفوضوية التي يمر بها الإعلام المصري.
ولا يعكس هذا القرار أو التهديد سوى نية الحكومة في فرض مزيد من السيطرة على وسائل الإعلام أو حالة التخبط التي تمر بها الحكومة، بسبب تصريحاتها بأنها تدعم حرية الرأي والإعلام، وفي الوقت نفسه نقدها الشديد لأي وسيلة إعلامية تنتقد سياستها.
وإذا حاولنا وضع أنفسنا مكان المسؤولين في هيئة الاستثمار، وإنه طبقا لتقاررهم بأن هناك برامج وموضوعات تثير الفوضى والخراب، مما يؤثر سلبا على الاقتصاد المصري، فنتساءل: «هل يحق لهيئة الاستثمار أن تصدر قوانين لمعاقبة القنوات على أدائها؟».. بالطبع لا... وهذا لعدة أسباب:
أولاً- تعتبر هيئة الاستثمار هيئة تابعة للحكومة المصرية وليست لديها ما يميزها أو يضمن استقلاليتها عن أي هيئة حكومية أخرى، وبالتالي سيكون هناك تضارب كبير في دور الهيئة وعملها، لأن تبعيتها للحكومة لا تمكنها من أن تكون بمثابة حكم عادل أو منصف على القنوات غير الحكومية أو المستقلة.
ثانيا- هيئة الاستثمار ليس لديها الحق في إصدار قوانين وفرضها على وسائل الإعلام العامة أو الخاصة، لأنها ليست جهة تشريعية، بل إنها تقوم بدور أجهزة التنظيم للإعلام المسموع والمرئي في معظم الدول الديمقراطية، من خلال إعطاء التراخيص وسحبها مع الفارق في أن تلك الأجهزة تتمتع بدرجة عالية من الاستقلالية.
لذلك يتطلب الأمر وجود هيئة مستقلة تعمل على إصدار ضوابط «وليس قوانين» ملزمة لجميع القنوات، ويكون من حق الجهاز أن يفرض عقوبات تدريجية، فتبدأ بالإنذار، ثم الغرامة المالية، وأخيرًا سحب الترخيص لفترة محدودة.
ويقوم الجهاز بمراقبة التزام القنوات بهذه الضوابط، وتكون هناك درجة عالية من الشفافية والعلانية على الضوابط التي أخلت بها بعض القنوات، ولا تكون للجهاز سلطة مطلقة يرهب بها القنوات، مثلما تريد هيئة الاستثمار أن تفعل، فيحق لأي قناة أن تتجه إلى القضاء، إذا شعرت بظلم من العقوبات التي فُرضت عليها.
كما يكون للبرلمان الحق في مساءلة هذا الجهاز لضمان نزاهته.
ثالثا- مجلس الشعب هو الكيان الوحيد القادر على إصدار قوانين، ولكن من أجل تهيئة البيئة لإعلام حر ومستقل، لا بدَّ أن يكون المجلس ممثلا لجميع فصائل المجتمع وليس لفصيل واحد قد يصدر بالفعل قوانين رادعة لوسائل الإعلام تتماشى مع أهدافه.
وأخيرًا، بالرغم من نص الدستور على إنشاء المجلس الوطني للإعلام والهيئة الوطنية للصحافة والإعلام، فإن هذا النص وحده لا يكفي لضمان استقلالية وسائل الإعلام، لذلك يجب أن تنص القوانين الخاصة بهما على استقلالية المجلس والهيئة إداريا وماليا، حتى لا تفرض الحكومة سياستها وتمارس ضغوطها ليتبعوها مثلما تفعل هيئة الاستثمار أو غيرها من المؤسسات الحكومية.