يقدم بعضهم لنا إسلاما غريبًا لا نعرفه ولا يعرفنا، هم فى الواقع لا يقدمون لنا إسلاما ولكنهم ينفثون فى حياتنا عاهاتهم النفسية وقلوبهم المريضة ثم يقولون للناس «هلموا إلينا فنحن نمتلك الإسلام فى أنقى صوره»!! ولكن إسلامهم الذى به يتعبدون ليس هو الإسلام الذى يخاطب الفطرة النقية، إسلامهم هذا فيه اعتداء وضرب وسب وقذف وقسوة وغلظة، فيه غياب للمروءة والنخوة، فيه اعتداء على النساء وصفع وجوههن، تلك الوجوه التى حرَّم الله صفعها، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك نهيًا قاطعًا لأن الوجه هو أشرف ما فى الإنسان، وقد ورد فى ذلك العديد من الأحاديث فى البخارى ومسلم.
إسلامهم الذى يواجهون به مجتمعهم ليس هو إسلام التحاب والدعوة والحكمة والموعظة الحسنة، ولكنه إسلام يدعو للقتال وكأنهم يعيشون فى أمة كافرة محاربة للدين، إسلامهم لا ينهاهم عن الكذب فيكذبون، لا ينهاهم عن الخديعة فيخدعون، لا يحضهم على مكارم الأخلاق فيلمزوننا وينابزوننا بالألقاب، يعدون ويخلفون الوعد، هم يرون أن مكارم الأخلاق لا ينبغى أن يتم تفعيلها إلا فى مجتمعهم المغلق فقط، إذ يظنون ـ كاليهود ـ أنهم شعب الله المختار وأنهم أصحاب النقاء العنصرى، أما نحن فعلى سراب !!.
لم يكفهم هذا بل أخذوا ينفثون الفتنة فى البلاد، ففى درس شهير لأحد دعاتهم الكبار سأله سائل: هل يجوز أن ألقى السلام على المسيحى، فقال الداعية ـ أو الداهية: إذا قابلت النصرانى فلا تحيه بتحية الإسلام قل له أى تحية، صباح الخير أو صباح الفـُل وإذا وقع فى مشكلة لا مانع أن أقدم له يد المساعدة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (دخل رجل الجنة فى كلب سقاه) ثم استطرد الشيخ الذى شيخوه: يا أخى! نزِّل هذا منزلة ذاك !!.
هذا ما يقوله دعاتهم للبسطاء: عامل المسيحى كما تعامل الكلب !! هل هذا إسلام؟ وهل هذا الهراء ينتمى لدين الفطرة النقية السليمة؟!.
وكنت قد قرأت لهذا الداعية فتوى أجاز فيها الزواج من أهل الكتاب مسيحيين أو يهودا فأرسلت إليه أسأله: وهل يجوز يا شيخ أن يلقى الزوج المسلم السلام على زوجته الكتابية خاصة أن الله جعل الزواج مودة ورحمة؟ وهل يجوز له أن يلقى السلام على أهل زوجته أم أنه لا يجوز له إلا أن يبادرهم بـ(صباح الخير يا خواجة)؟ فلم يرد الشيخ.
ليس فى فقه هؤلاء إلا الحرام والحرام، يحرمون السلام على غير المسلم مستندين فى ذلك إلى حديث للرسول صلى الله عليه وسلم دون فهم أو إدراك لفقه الحديث ــ وهو الأمر الذى حذر منه الشيخ الغزالى فى كتابه (السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث) ــ ولكن الله أعمى بصائرهم عن النبع الصافى للشريعة، فلم يروا قول الله سبحانه على لسان إبراهيم وهو يخاطب أبيه الكافر (سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّى) [مريم: 47] وقوله تعالى: (وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ حَسِيبًا) [النساء:86] ورد التحية هنا على العموم لم يستثن الله فيها أحدا، وقوله تعالى (يا أيّها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتّى تستأنسوا وتسلّموا على أهلها) ولفظا بيوت وأهلها هنا جاءا على العموم، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يلقى السلام على أهل الكتاب ويرد تحيتهم بأحسن منها، بل إنه عندما سئل أى الإسلام خير؟ قال: (تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف) والمعنى هنا يتسع ويتسع ويشمل كل من يعيش فى الأمة مسلما كان أو غير مسلم، وقد كان هذا هو نهج الصحابة واشتهر ذلك عن سيدنا عبد الله بن عباس، وكان الإمام «عامر الشعبى» قاضيا فى زمن سيدنا عمر بن عبد العزيز واشتـُهر عنه أنه كان يبتدر غير المسلمين بالسلام قائلا: وعليك السلام ورحمة الله تعالى، فقيل له لماذا تقول ذلك فقال: أليس فى رحمة الله نعيش.
نعم نحن نعيش فى رحمة الله فمن اتبع سنة الله رحم الناس، ومن اتبع سنة هؤلاء رجم الناس، فكونوا مع الراحمين.