سألَتنى مذيعة تليفزيون «بى بى سى» عن حرية الإبداع بعد الثورة فى ظل منع الرقابة عرض فيلمى «تقرير» عز الدين دويدار، و«عن اليهود فى مصر» أمير رمسيس، وأضافت أن مخرج «تقرير» يستشعر أن لا أحد دافَع عن حقه فى العرض بينما الكل يقف فى نفس الخندق مع فيلم أمير رمسيس، هل لمجرد أنه محسوب عند البعض على أنه إخوانى نناصبه العَداء؟!
إجابتى كانت ولا تزال وفى كل العهود لا للمنع أو المصادرة وأنه من حق كل فنان أن يعرض مصنفه الفنى للجمهور مهما اختلفت معه فنيا أو فكريا.
أتذكر أن إيناس الدغيدى بعد عرض فيلمها «مذكرات مراهقة» قبل نحو 12 عامًا وكنت قد كتبت رأيًا سلبيًّا فى الفيلم تعالت الأصوات فى مجلس الشعب تطالب بالمصادَرَة وبعضها استند إلى ما كتبته وقتها فى مجلة «روزاليوسف» فكتبت على صفحات جريدة «القاهرة» مقالًا عنوانه «أرفض الفيلم مرة والمصادَرة ألف مرة». وقبل نحو عام كان البعض فى نقابة الصحفيين يطالب بمنع فيلم «على واحدة ونص» لأنه يقدم حياة صحفية قررت أن تصبح راقصة ورغم رداءة الفيلم فلقد وقفت على الجانب الآخر تمامًا من تلك الأصوات وطالبت بأن يتاح للفيلم فرصة العرض وقلت إنه لا النقابة ولا الصحفيون على رأسهم ريشة، ومن حق أى عمل ينتقدهم أن يرى النور.
الأمر هذه المرة مختلف، كل المؤشرات تؤكد أن فيلم «تقرير» تنتجه شركة سينمائية اسمها «النهضة» وكل التفاصيل منذ اختيار البطل محمد شومان والبطلة المحجبة تشير إلى أننا بصدد فيلم مصنوع طبقًا للشريعة، قد أختلف فنيًّا مع الفيلم عندما أراه ولكن فى كل الأحوال لا يمكن أن أطالب بمصادرته، إلا أن القضية هى أن الدعوة للفيلم حملت شيئا من الاستفزاز غير المبرَّر منها أن الثمن 100 جنيه وقيمة التوصيل سبعة جنيهات ورغم ذلك فإن من حقهم أن يقيّموا البضاعة التى يقدمونها كما يحلو لهم إلا أن ما ليس من حقهم أن يحطموا كل القواعد ويتقدموا بالفيلم لعرضه تجاريًّا فى قاعة سيد درويش التابعة لأكاديمية الفنون دون إذن مسبق، لو عرضوه على الرقابة ورفضت التصريح كنت وقفت بالتأكيد مع صُناعه مؤيدًا حقهم فى العرض مهما كانت مساحة الخلاف الفنى أو الفكرى، ولو أن المخرج أقام عرضًا خاصًّا دون شباك تذاكر لعدد من المهتمين بالسينما قبل أن يعرضه على الرقابة لتغير الموقف تمامًا لأنه لا يعتبر من الناحية القانونية عرضًا عامًّا، لم يتخذ المخرج أى موقف يتيح لنا الدفاع عن حقه فى عرض مصنفه الفنى. ورغم ذلك فأنا مسبقًا مهما كان رأيى فى الفيلم -عندما يتاح لى مشاهدته- أدافع عن حقه فى العرض العام على شرط أن يتقدم للدولة وعندما تتعنت نقف ضدها. بينما الفيلم التسجيلى «عن اليهود فى مصر» عُرض فى مصر ثلاث مرات فى بانوراما الفيلم الأوروبى قبل خمسة أشهر، بعد حصوله على موافقة الرقابة، والذى حدث بعد ذلك أن وزير الثقافة هو الذى دفع به إلى الأمن الوطنى -أمن الدولة سابقًا- لكى يصادره ولا أحد يعرف لماذا تراجع وزير الثقافة، الفيلم شاهدناه فى مصر وحصل على تصريح بالعرض فى الداخل والخارج، الأمر لم يكن يستحق حالة التوجس والخوف التى سكنت الوزير فأصابته تلك الرعشة التى تنتاب كبار موظفى الدولة عندما يخشون من ضياع الكرسى.
إنها من المرات القليلة التى تُعرض فيها أفلام تسجيلية للجمهور المصرى، قبل أقل من عامين عُرض الفيلم التسجيلى «الطيب والشرس والسياسى» ولاقى نجاحًا متوسطًا ولكن التجربة تستحق المغامرة. الفيلم يقدم يهودًا بعضهم عاش فى مصر وبعضهم رفض الهجرة لإسرائيل فى بداية إنشائها وهو فى الحقيقة يقدم «تيمة» التسامح مع كل الأديان، فهو يرى أن الإنسان إنسان أولًا إلا إذا كان للنظام الإخوانى رأى آخر.
نحن بصدد قضيتين مختلفتين ومبدأ الدفاع عن الحرية لا يتجزأ ولا يعرف نوعا ولا فصيلا سياسيا دون آخر فلا يمكن أن نؤيد حق ليبرالى فى التعبير وننكر نفس هذا الحق على إخوانى، ولكن هل قضية «تقرير» هى الحرية أم أنه يريد أن يعيش دور ضحية الحرية؟