هل هى خطة شريرة لتشويه الثورة أم أنها أخطاء بل خطايا أقدم عليها من هم محسوبون على الثوار؟
على مواقع التواصل الاجتماعى ستجد صورة والد رغدة الذى قبض عليه فيلق عسكرى نسب نفسه إلى الثوار وشهَّروا به انتقامًا منها بسبب مواقفها المؤيِّدة لبشار وأجبروه على أن يحمل علم الثورة، رغدة أكدت أن والدها المسنّ يعانى من فقدان ذاكرة، فأين هى الثورية فى ما يفعله هؤلاء المنتمون إلى الثورة؟ هل هم فعلًا ثوار أم أن هناك مندسين يريدون تشويه الثورة السورية؟ الثورة بطبعها فعل نقى رومانسى، فلصالح مَن يضعون على ثوبها الأبيض كل هذه الأدران السوداء؟! قبلها واجهت سلاف فواخرجى تهديدًا باختطاف أولادها فأبعدتهم إلى مكان آمن، سلاف مثل رغدة من أكثر الأصوات فى الوسط الفنى السورى الذين جهروا بتأييدهم لبشار ورغم ذلك فلا يمكن تبرير أى فعل انتقامى.
لا أتصور أن هؤلاء من الممكن أن يصنَّفوا باعتبارهم ثوارا بل لدىّ قناعة أن الثورة الممتدة فى سوريا على مدى عامين بطبعها سوف تسمح بأن ينضم إليها من هنا وهناك من يريدون تحقيق أى مكاسب سواء أكان الطريق للوصول إليها هو فى الانضمام إلى الثورة أو فى مناصبتها العداء، أغلب الفنانين والمثقفين السوريين صاروا يفضلون الصمت منعًا للتأويل وأصبح التصريح الذى يتناقلونه فى ما بينهم هو أنهم مع الشعب السورى وضد سفك الدماء ولكن لا يحددون بالضبط هل هم مع الثورة أم بشار.
نعم هناك دائمًا تجاوزات ستحدث بين القوى الثورية فلا يمكن أن تتفق كل الأطياف على الحل بكل تفاصيله، حيث إن المشارب تتعدد والوسائل قد تتعارض وهو ما يراهن عليه الأسد، كلما طال الأمد طالت أيضًا مساحات الخلاف، صحيح أن شرعيته كرئيس تآكلت بل إنه فى حقيقة الأمر لم يعد يسيطر على كل الأراضى السورية، ومؤيدوه يتناقصون ولا يملك سوى أن يشهر سلاحًا واحدًا وهو أن بقاءه فى سدة الحكم هو الضمان لوحدة سوريا وأنه سوف يحمى الأقليات من توحش الأغلبية السنية، رهان الأسد ليس على سوريا بقدر ما هو على الزمن ليصبح التقسيم هو الورقة الأخيرة التى يلعب عليها، فهو فى معركة حياة أو موت، فهو يعلم أنه ينتظره مصير القذافى ولهذا يترقب الأيام والشهور لسيتنفد طاقة الثوار، إلا أنه على الجانب الآخر تتبدد أيضًا طاقته وليس أمامه سوى معونات عسكرية تأتيه من إيران، إنه يستند ليس فقط إلى طائفته العلوية ولكن الدائرة تتسع لتشمل كل من ارتبط بمصلحة مع الأسد ويصبح بقاؤه فى هذه الحالة هو الضمان الوحيد لاستمرارهم فى البؤرة، الدائرة تضم بين أطيافها سنة ومسيحيين وأكرادا وغيرهم، عندما أمسك حافظ الأسد بالسلطة قبل أكثر من 40 عامًا كان حريصًا على تمكين الطائفة العلوية وأن ترتبط بمن هم خارجها عن طريق الاستقطاب والمصالح فى النهاية تتصالح، الجانب الآخر من الصورة أن الثوار أنفسهم معرَّضون لكى نرى بينهم درجات من التطرف الدينى التى تعلن عن نفسها وهو ما ينشر الخوف بين السوريين عندما يعقدون مقارنة بين الماضى بكل ما يحمله من استبداد وقمع بينما القادم يحمل رؤية ضبابية خصوصا أن الدول التى سبقت سوريا فى الربيع تونس ومصر وليبيا تعانى من هذا الفصيل الذى يتدثر بالإسلام ويطل عليها متوعدًا بتلوين الحياة كما يريد، الثورة فى سوريا مثل تونس ومصر كان وقودها هؤلاء الذين تطلعوا لكى يروا بلدهم يعيش فى حرية ولا يمكن أن يستبدلوا بقمع الأسد قهرا دينيا يعيدهم أحقابًا إلى الخلف دُرّ.
هل هناك من يغتال النقاء الثورى؟ نعم من يشهرون سلاح الدين فى وجه المخالف فى الرأى، من يتصور أن المعركة مع رغدة أو سلاف أو دريد لحام هؤلاء يقزّمون الثورة العظيمة، لا يمكن أن تنجح ثورة من خلال مطاردة رجل عجوز يُطلَب منه أن يرفع علم الثورة انتقامًا من ابنته، أنا أختلف بالطبع مع مواقف رغدة ودريد وسلاف ولا أجد حتى عذرًا للقسط الوافر من الفنانين السوريين الذين يقفون فى تلك المنطقة الرمادية بين الثورة والأسد ولكنى فى نفس الوقت أرى أن أى محاولات لتصغير الموقف الثورى بالخطف أو التهديد يجرح الثورة ويصيبها فى مقتل.