مع احترامى لوطنية الجميع، رغم أننى اتشكّك فى وطنية الأكثرية، أو قد يبدو أن مفهوم الوطنية قد اختلف هذه الأيام وأصبح العميل الأمريكى مَن يأخذ التعليمات من السفيرة أو من البيت الأبيض نفسه، ويقول إنه وطنى لأنه يعمل لمصلحة مصر. وهو بذلك يبرّر عمالته ويحلّل الأموال التى يتقاضاها مقابل وطنيته. مع احترامى للجميع، لا بد أن يعى ويعرف الجميع أن الجيش لن ينزل إلى الساحة السياسية هذه الأيام. وقد لا يوجد فى مشهد الحكم خلال هذا العام على الأقل. وقد يكون له دور فى منتصف العام القادم. وجود الإخوان فى الحكم ليس كما يُقال لأنهم الفصيل الأقوى أو المسيطر على الشارع. قد يبدو هذا صحيحًا، لكن ليس من أجل هذا جاء الإخوان إلى الحكم، بل هم وصلوا ضمن خطة كبيرة ضخمة موجودة عند الأمريكان منذ أن تولّى أيزنهاور حكم الولايات المتحدة فى خريف 1952، وقد عطّل عبد الناصر المشروع. وتبنّاه السادات، لكن بطريقته، وجمّده مبارك مقابل خدمات باهظة الثمن، ورغم كل ذلك تخلّوا.
الإخوان فى الحكم من أجل إعطاء إسرائيل الشرعية الإسلامية السنية، الشيعة فى إيران هم من أكثر البلاد تعاملًا اقتصاديًّا مع إسرائيل. بل إن خط البترول الممتد إلى أوروبا قادم من إيران يمر عبر إسرائيل، وتستفيد منه بجزء كبير فى توليد الطاقة، والتعاملات التجارية الإيرانية الإسرائيلية هى الأكبر فى تعاملات الدولتين خارجيًّا. إذن ينقص إسرائيل الشرعية الإسلامية السنية. والإخوان هم خير ممثل لهذا التيار فى العالم العربى. ولذلك تم أخونة معظم البلدان العربية. بل كل جنوب البحر المتوسط تقريبًا تم أخونة الحكم فيه. التخطيط الأمريكى القادم هو الانتهاء نهائيًّا من المشكلة الفلسطينية. وفى منتصف العام القادم سيتم إعلان الدولة الفلسطينية وعاصمتها رام الله.
وسيتم تدويل مدينة القدس، وتشرف عليها الأمم المتحدة، لتكون مدينة الأديان. وستُحل مشكلة اللاجئين التى يسهم فى حلها مرسى وجماعته الآن بإعطاء الجنسية المصرية للفلسطينيين. أى أن المعضلة الفلسطينية ستُحل. وعلى الجانب الآخر، الأمريكان يضغطون على الإسرائيليين لتكوين حكومة ائتلافية تضم جميع أطياف المجتمع الإسرائيلى، وهى الحكومة التى لا تتشكّل إلا فى حالة الحروب أو فى حالة حدث كبير، مثل توقيع اتفاقية السلام مع السادات. تلك الحكومة تتشكّل الآن ليوقّع الجميع.
وفى مصر السبب الرئيسى لتأجيل الانتخابات هو انسحاب جبهة الإنقاذ من دخولها، لأن البرلمان المصرى القادم هو الآخر مَن سيوقّع على الاتفاقية وإعلان الدولة الفلسطينية، وستكون مصر إما شريكًا أو ضامنًا أو أى مسمى دبلوماسى آخر. المهم أن يكون البرلمان المصرى يضم كل التيارات السياسية، لكن بأغلبية إسلامية. كى لا يزايد أحد على الاتفاقية. ولهذا الغرض تحديدًا ويعرفه الجميع. الكل يضغط للحصول على أعلى قدر ممكن من المصالح والغنائم وأخذ أكبر قطعة ممكنة من التورتة السياسية، وهو ما تسبّب فى الزيارات المتتالية من الشخصيات الأمريكية التى تأتى علنًا، والتى تأتى سرًّا. وهو السر الذى من أجله تلف السفيرة الأمريكية كل أنحاء مصر، وتقابل كل التيارات السياسية للتوصّل إلى اتفاق يرضى جميع الأطراف. وفور أن طعنت الرئاسة على حكم المحكمة الدستورية بتأجيل الانتخابات، صرّحت باترسون على الفور فى الإسكندرية بأن فكر الإخوان محدود، ولم نتوقّع أداءهم المتواضع فى إدارة البلاد.
مما جعل الرئاسة تصرّح أنها غير مسؤولة عن هذا الطعن، بل هو مسؤولية القضاء المصرى. رسائل وشفرات يرسلونها إلى بعضهم البعض، وقوة ضغط ومحاولة الحصول على أعلى استفادة ممكنة. وبعد منتصف العام القادم وإعلان الدولة الفلسطينية ووضع يد مرسى فى يد بيريز وفى يد نتنياهو، سيُقال للإخوان اخدم نفسك بنفسك، وهنا قد يظهر دور الجيش. وهو الآن يعد العدة ويرسل رسائل هو الآخر، ولو رجعنا إلى التاريخ سنجد لعبد الناصر مقولة شهيرة، قالها للسفير الأمريكى كافرى جيفرسون، عندما كان ناصر يطلب مساعدات عسكرية من الأمريكان بعد اندلاع ثورة يوليو. عبد الناصر قال، من المرجح للجيش رث الهيئة أن يكون لا ولاء له.
وبعد حالة الجمود فى القيادة فى المؤسسة العسكرية جاء الفريق السيسى قائدًا عامًّا للقوات المسلحة. وأهم ما تم إنجازه وله دلالات كثيرة ورسائل مهمة، هو تغيير وتجديد ثياب القوات المصرية، تلك دلالات يعرفها العسكريون جيدًا، وتفسر مقولة عبد الناصر التى قالها منذ ستين عامًا تقريبًا. وثانية تلك الرسائل المهمة التى أرسلها القائد العام، هى ما حدث فى الكليات العسكرية مع الطلبة الوافدين الجدد، فقد امتدت فترة تدريب طلاب الكليات العسكرية فى السنة الأولى ولأول مرة فى تاريخنا إلى مئة يوم وتزيد -كانت 45 يومًا وأحيانًا تمتد إلى 50 يومًا لا أكثر- وفى تلك الفترة المهمة والحساسة ومحاولات الاختراق، استعانت المؤسسة العسكرية بعلماء من الأزهر قاموا بإلقاء محاضرات دينية تشرح لطلبة الفرقة الأولى دين الوسطية، ودور المؤسسة العسكرية فى حماية الإسلام دون الاقتراب من تسييس الجنود. تلك هى المؤسسة العسكرية بعظمتها وتاريخها المشرّف المعتاد. لكن أن ننتظر نزوله للحياة السياسية الآن، انسوا. الوقت لم يحن بعد بل هناك ترتيبات اجتماعية تتم هى الأخطر فى تاريخ مصر، لنتخلّص نهائيًّا من هؤلاء البلداء المنافقين..