كان نظام مبارك يميز طبقة الأثرياء ورجال الأعمال من غيرهم من المواطنين، كان التمييز طبقيا وفئويا، وكان المواطن المصرى اللبسيط يعانى بشدة جرَّاء سياسات التمييز الممنهجة، وبالطبع كان بسطاء المسيحيين يتعرضون لتمييز مركَّب.
لم يكن نظام مبارك يتعامل مع بسطاء المصريين والفئات الضعيفة منهم على أنهم مواطنون لهم حقوق مواطَنة كاملة، حَرَمهم حماية الدولة وجرَّدَهم من التمتع بحقوقهم التى تتمثل ببساطة فى العدالة الاجتماعية التى تعنى التزام الدولة بتوفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة لغير القادرين، وهى مسكن آدمى صحى، وعلاج مجانى جيد، وتعليم عامّ جيد، وأخيرا حد أدنى للأجور، يمكّن المواطن البسيط من توفير الحد الأدنى من مسلتزمات الحياة ومتطلباتها لأسرته. ومن ضمن مسؤوليات الدولة تجاه مواطنيها توفير الحماية والأمن لهم، وتمتدّ هذه الحماية لهم أينما ذهبوا، فالمواطن الذى ينتقل للعمل أو العلاج أو السياحة فى الخارج تلاحقه مظلَّة حماية الدولة باعتباره مواطنا.
لم تكن للمواطن المصرى البسيط قيمة تُذكَر عند نظام مبارك، كان بسطاء المصريين يعانون الأمراض المزمنة ولم تكلف الدولة نفسها عناء تدبير العلاج لغير القادر منهم، كانت الأمراض تنهش أجسادهم ووزارة الصحة تصرف الملايين للأثرياء ورجال النظام الأقوياء من ميزانية العلاج على نفقة الدولة للسفر إلى الخارج وإجراء العمليات الجراحية ومنها جراحات التجميل.
لجأ ملايين المصريين إلى العيش فى المقابر والمناطق العشوائية التى باتت مصدرا للخارجين على القانون نظرا إلى ضغط الحاجة والشعور بظلم الدولة والمجتمع. لم تكن للمواطن المصرى البسيط قيمة تُذكَر ولم يحرك مشاعر رجال النظام حتى عندما كان البسطاء يَلْقَون حتفهم جماعة كما جرى فى حادثة غرق العَبَّارة «السلام ٩٨» وكما كان يحدث مع الشباب المصرى الذى كان يَلْقَى حتفه غرَقا وهو فى طريقه لدخول أوروبا تسلُّلًا عن طريق المتوسط. أيضا لم تكن هناك كرامة للمواطن المصرى فى الخارج، تعالت عليه سفارات بلاده وأهانته سلطات بعض الدول التى يعمل بها لأنها تدرك أن المواطن المصرى البسيط خارج حسابات حكومة بلاده.
رحل مبارك ونظامه وجاء برلمان منتخب ورئيس مدنى منتخب أيضا وتردد شعار «ارفع رأسك فوق انت مصرى»... وظل الشعار شعارا، فلم يرفع المصرى رأسه، فقد واصل نظام ما بعد الثورة سياسات التمييز والتفرقة ولكن على أسس جديدة، فقد بدأ زمن الإخوان ورفاقهم من التيارات الإسلامية لا سيما الجهادية، وبات الإخوانى فى زمن الإخوان مواطنًا كامل المواطنة، بل مواطنًا مميزًا، مواطنًا درجة أولى تُفتَح له الأبواب ويُستثنى من القوانين واللوائح، بات أهل ثقة النظام، فهو من الأهل والعشيرة.
ولأن البيروقراطية المصرية اعتادت خدمة الحاكم وكل من هو على رأس السلطة، فقد بدأت فى تمييز أعضاء الجماعة التى شعرت أنها بحاجة إلى تعويض أعضائها عن سنوات الكمون والقحط. باتت مؤسسات الدولة ترتعش أمام عضو الجماعة وتفتح له الأبواب وتتجاوز من أجله القوانين واللوائح.
وامتدّ تمييز المواطن الإخوانى إلى الخارج أيضا، فسفارات مصر فى الخارج تهتزّ بقوة وتتحرك إذا ما تَعرَّض مواطن إخوانى لمشكلة فى دولة أخرى، فقد انتفضت مؤسسات الدولة لأن مواطنا إخوانيا أُلقِىَ القبض عليه فى مطار بالمملكة العربية السعودية وبحوزته موادّ مخدِّرة ممنوعة، حملة ضخمة تطالب بالإفراج عنه، بل تَحرَّك مجلس الشعب وسافر فى طائرة خاصة عدد ضخم من الأعضاء للتوسط فى عملية الإفراج عنه، تحركت السفارة والقنصلية ووفرت كل سبل الراحة للأسرة كى تطمئن على المواطن المصرى، الجيزاوى، فهو مواطن درجة أولى إخوانى من الأهل والعشيرة. نفس الأمر تكرر عندما ألقت السلطات الأمنية فى دولة الإمارات العربية المتحدة القبض على خلية إخوانية هناك كانت تعد لقلب نظام الحكم، اهتزت مؤسسة الرئاسة وبعثت مساعد الرئيس لشؤون العلاقات الخارجية إلى الإمارات كى يتابع قضية فصيل من الأهل والعشيرة، ذهب الحدَّاد طالبا رؤية أعضاء الخلية، وهمس الأشقاء فى الإمارات فى أذنه «لدينا نحو ثلاثمئة مصرى آخرين محتجزين فى السجون، ألا تودّ رؤيتهم؟»، لم يتوقف الحداد أمام هذه الملاحظة، فالتكليف الصادر إليه هو الاطمئنان على الأهل والعشيرة وتأكيد نفى وجود مخطط من العشيرة لزعزعة الاستقرار فى الإمارات التى يسيل لها لعاب الجماعة باعتبارها دولة غنية يمكن استخدام مواردها فى دعم مشروعها الأممى وبعث الحياة فى «طائر النهضة» من جديد.
لم تتحرك الدولة المصرية عندما تَعرَّض عشرات المواطنين من بسطاء المصريين للاعتقال والتعذيب على يد السلطات الأمنية الليبية، لم يتحرك ضمير الرئيس ولا غيره من المسؤولين عندما مات مصريون تحت التعذيب فى معتقلات بنغازى، بل إن السفير المصرى هناك برَّر إحراق كنيسة مصرية فى بنغازى بالقول إنه جاء ردًّا على إحراق متظاهرين مصريين للعلم الليبى أمام السفارة الليبية فى القاهرة! لم يتحرك مرسى ولا مؤسسات الدولة المصرية دفاعا عن مواطنين مصريين معتقلين فى ليبيا يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب هناك لأنهم ببساطة لا ينتمون إلى الأهل والعشيرة، فهم مجموعة بسطاء العمال ومن المسيحيين ليس من بينهم إخوان، ليسوا من الأهل والعشيرة ومن ثَم لم تتحرك الدولة للدفاع عنهم.