«الرئيس أوباما.. لا داعي لأن تحضر معك هاتفك الذكي, فخدمة 3G(الجيل الثالث للهواتف الجوالة) محظورة فى فلسطين..».
كانت هذه واحدة من لافتات ضخمة وزعت على الطريق بين حاجز قلنديا على مدخل رام الله ووسط المدينة, ووضعت كذلك أمام مقر المقاطعة فى رام الله وأمام كنيسة المهد في بيت لحم, حيث سيمر موكب الرئيس الأمريكي باراك أوباما.
أما اللافتة الثانية فتقول «الرئيس أوباما.. لا تنس تقديم موعد اجتماعك بالرئيس محمود عباس فى رام الله بساعتين, فالأزمة على حاجز قلنديا العسكرى تحتاج هذا الوقت».
لقد أراد الشباب الفلسطيني هذه المرة لفت انتباه أوباما لما يعتقدون أنه أهم من الحديث فى السياسة, وهو الحديث عن احتجاجات ومعاناة الناس اليومية. فمن بين عشرات اللافتات التى جهزت لاستقبال أوباما اختار الشبان نصب لافتتين كبيرتين جدا, واحدة أمام مقر الرئاسة, والثانية على طريق القدس - رام الله وهو طريق متوقع أن يمر به الرئيس الأمريكي, وكذلك أمام كنيسة المهد التي سيزورها في اليوم التالى.
أراد الشباب الفلسطينى إرسال رسالة واضحة لإسرائيل عبر الرئيس أوباما من خلال هذه اللافتات ذات المغزى الذى لا يحتمل التأويل, فاللافتة التى طلب فيها الشبان من أوباما عدم إحضار هاتفه الذكى, تعبر بسخرية عن رفض إسرائيل منح السلطة الفلسطينية الحق فى استخدام تقنية 3G, لذا فإن كثيرا من مستخدمى الهواتف الذكية فى الضفة الغربية وقطاع غزة لا يتمتعون بالخدمات والمزايا التى يفترض أن تقدمها هذه الهواتف, أما اللافتة التى تتحدث عن حاجز قلنديا فهو الحاجز الذى يربط القدس وجنوب الضفة الغربية بمدينة رام الله, ويعتبر المدخل الوحيد المتاح للفلسطينيين, وعادة ما يضطر الفلسطينيون للانتظار طويلا على هذا الحاجز بسبب أزمة المركبات والزحام الشديد الذى يلتقى فيه المواطنون من عدة جهات, ويضطرون للانتظار ساعتين أحيانا فى طريق لا يتجاوز طوله 100 متر, وكتب الشبان الفلسطينيون يطلبون من أوباما الحضور قبل ساعتين, إذا كان يريد أن يأتي عن طريق قلنديا, فى لفتة ساخرة تعبر عن مدى المعاناة اليومية التى يعيشها المواطن هناك.
حملة الشباب الفلسطينى التى أطلقت على نفسها اسم «فلسطينيون من أجل الكرامة» كان هدفها الاحتجاج على السياسة الأمريكية أثناء زيارة أوباما إلى الأراضى الفلسطينية, وقد خططوا للتظاهر وسط رام الله احتفاء بالزيارة برفع الأعلام السوداء, وإطلاق آلاف البالونات السوداء فى سماء رام الله لحظة وصول أوباما احتجاجًا على سياسة أمريكا المنحازة لإسرائيل.
هذا الجانب الإنسانى الذى يحمل السخرية بقدر ما يحمل من ألم ويعكس معاناة المواطنين اليومية, لم يغفله الشق السياسي الذى بدا غير متفائل من هذه الزيارة, فالقيادة الفلسطينية لا تتوقع أن تسفر هذه الزيارة عن تحقيق أى اختراق فى العملية السياسية المتوقفة منذ سنين نتيجة تواصل البناء الاستيطانى فى قلب الضفة الغربية.
ولا يبتعد هذا التوقع كثيرا عن الموقف الإسرائيلى, فهذه الزيارة أو الرحلة إلى إسرائيل تحديدا ستكون تاسع زيارة لرئيس أمريكى, سبقه إليها الرؤساء ريتشارد نيكسون وجيمى كارتر وبيل كلينتون (أربع مرات) وجورج بوش الابن (مرتين).
وباستثناء زيارة كارتر التى مهدت للتوقيع على معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل, فقد تميزت سائر الزيارات الرئاسية بفرق بارز بين المراسم البروتوكولية والهدف والجوهر من الزيارة, والتاريخ يقول إن بعض هذه الزيارات التى حدثت فيما مضى لم يكن فيها خطة سياسية أو استراتيجية محددة, وكان الحديث فى تلك الحالات يدور عن برنامج عمل أمريكى داخلى, مثل محاولة الرئيس نيكسون اليائسة للتحرر من فضيحة «ووتر جيت» باستعراض إنجازاته فى الشرق الأوسط, أو بتفضيل تأييد إسرائيل مثل زيارة الرئيس بوش الابن فى مايو 2008 التى جاءت بمناسبة الاحتفال بذكرى قيام إسرائيل الستين.
وعلى كل الأحوال حتى لو كان فى مضمون الزيارة مخطط سياسى ما, أو محاولة للتأثير فى الرأى العام الإسرائيلى, أو إجراء حوار مع الإسرائيليين, فإن الزيارات التى سبقتها لم يكن لها تأثير مباشر وواضح فى نسيج العلاقات بين واشنطن وتل أبيب, وحقيقة الأمر أن برنامج العمل الرئاسى فى مثل هذه الحالات يكون مكتظا ومزدحما, ولا يترك وقتا لتفاوض حقيقى, وقد أسهمت تلك الزيارات فى الأساس إلى كونها مراسم فارغة من أى مضمون حقيقى.
لكن يبدو أن الرئيس الأمريكى هذه المرة يريد من هذه الزيارة أن يسجل فى سجله السياسى والشخصى قيامه بزيارة لمنطقة الصراع الغربى الإسرائيلى, لكنه بالتأكيد لن يستطيع عمل الكثير بعد تجربته الفاشلة فى محاولة حمل إسرائيل على وقف الاستيطان, فما بالك باقتلاع حاجز عسكرى يحول حياة المواطن الفلسطينى كل يوم إلى جحيم لا يحتمل كـ«حاجز قلنديا»!!