كل ما أفرزته ثورة يناير فى كوم والشيخ حازم أبو إسماعيل بالنسبة لى فى كوم آخر. لا بد أن أعترف أننى أحب متابعة هذا الرجل، ومنذ عدة أيام عندما تصادف ظهوره هو والدكتور البرادعى على محطتين مختلفتين فى الوقت نفسه، اخترت أن أتابع الشيخ حازم، لأن العرض الذى يقدمه فى كل مرة يفقد جزءا من متعته إذا لم تشاهده على الهواء مباشرة، بينما يقدم البرادعى أفكارا عمرها أطول كثيرا من ساعتى الحوار فلن يفوتك شىء إذا تابعتها على قنوات الـ(+2).
قال الصديق جيمى هود على «تويتر» فى إحدى المرات إن الشيخ حازم يذكره بحسام حسن، قال ذلك فى تويتة 140حرفا لكنها كانت مفارقة واضحة تسللت إلى ذهنى فى أثناء متابعة حوار الشيخ حازم منذ يومين، وبحثت فى ذهنى عن تطبيقات للنظرية التى خرجت بها التويتة. فرصيد كل منهما قائم على محبة الجماهير لكن بلا إنجاز حقيقى لا فى السياسة ولا فى عالم التدريب. وخطة عمل كل منهما فى السياسة والتدريب قائمة على زرع الحماس فقط. وكل منهما يصوغ عدم قدرته على الإجابة عن أسئلة محرجة بطريقة جذابة جدا تعجب الجماهير: يُسأل العميد عن تغييراته الغامضة فيقول «أنا حر»، ويُسأل الشيخ حازم عن سبب عدم نزوله مظاهرات «القائد إبراهيم» فيقدم بالمصادفة الإجابة نفسها «أنا حر». كلاهما ارتبط اسمه بكارثة ما سواء فى ميدان العباسية أو فى بورسعيد. وكلاهما يزرع فى نفوس محبيه إحساسا كاذبا بأنه ضحية للظلم فى حين أن ذلك غير حقيقى، فلا العميد رحل ظلما عن الأهلى ولا الشيخ حازم استطاع أن يثبت صحة موقفه فى مسألة جنسية والدته، حتى جماهير الشيخ حازم تشكلت بالطريقة نفسها التى تشكل بها الأولتراس المحب للعميد، حتى السباب الذى يتعرض له كل واحد منهما من الجماهير المضادة له علاقة باسم الأم، بخلاف أن كل واحد منهما يشاركه المشهد نسخة منه أقل تأثيرا سواء إبراهيم حسن أو جمال صابر، بخلاف أن كلا منهما يحمل ابتسامة تخبئ قدرا من الإنهاك الجذاب، تفاجئك عندما تظهر دون مقدمات فى وسط الغضب فى محاولة يائسة لاستعادة بعض الهدوء. كما أن كلا منهما شخص عاطفى للغاية يحفل سجله بلقطات لا تخلو من الدموع والتأثر بطريقة لا تخلو أحيانا من صدقٍ ما تجذب إلى مدارهما فى كل مرة آلاف المحبين الجدد. أضف إلى كل ما سبق أنه عندما يشعر أى منهما بأنه «اتزنق» فى الحوار يحيل العالم كله إلى لحظة مستقبلية غامضة بلا أمارة، فكما قال العميد «الزمالك قادم» دون أن يحدد قادم إمتى بالضبط، يقول الشيخ حازم إنه سيكشف الحقيقة ولكن فى الوقت المناسب، وإنه سيقدم المستندات التى تثبت صحة موقفه لكن فى الوقت الذى يحدده هو، وإنه سيؤجل الإعلان عن حقيقة ما حدث فى الاجتماع المغلق حتى لا يحرق كل ما لديه من أوراق وهو كثير. للأمانة الشيخ حازم يتفوق على العميد فى هذه المسألة، لأنه فى لحظات من هذه النوعية يكون «لايق فى التهديد» لدرجة أننى أنا شخصيا على مدى عام ونصف كنت أصدقه كلما قال جملة من القائمة السابقة، لأنه يبدو مقنعا، لكن تصديقى له كان يذوب مع كل فرصة كان الشيخ حازم فى أثنائها فى حاجة إلى إخراج مثل هذه الأوراق لينجو بنفسه من اتهامات الكذب والتضليل وتوريط الآخرين لكنه لم يفعل أبدا.
فى الفترة ما بين التنحى حتى أحداث محمد محمود كان الميدان يشهد اعتصامات كثيرة قضينا فيها ليالى طويلة، فى هذه الأثناء بزغ نجم الشيخ حازم وظهر مع يسرى فودة وأحببت فيه سماحة تغلف ما يقوله من أفكار بها مسحة من التشدد، وقلت لنفسى أفكاره تخصه وأنا أرفضها لكن سعدت به لافتقادنا جميعا نبرة هادئة فى عرض الأفكار. فى هذا الوقت كان الشيخ حازم يزور الميدان وقت العصارى وحوله صحبة من جمهور لا تتعدى المئة شخص، يطوفون الميدان به وهو يلوّح للناس ثم ينصرف. كنت أراه من بعيد وأبتسم لهذا الطفل العجوز الذى يرى أن حل مشكلات الشباب يكمن فى فتح أبواب الحدائق العامة مثل الأورمان والأزهر أمامهم مجانا. لكن كل شىء تغير سريعا وسقط الشيخ فى براثن جاذبية صورة الفارس الجريح الذى تم إبعاده عن سباق الرئاسة، وبدلا من مشهد الجموع الجالسة أمامه صامتة لتستمع إلى درس دين بدأت هذه الجموع تهتف باسمه، ويا لها من خمر تذهب العقل بسهولة، فتحول الشيخ حازم إلى مناضل صاحب دور مثله مثل غيره فى التشويش على الثورة وأحلامها بقدرة فائقة على الملاوعة والتصريح بجمل مبتورة ذات غموض ساذج، وجرأة شديدة فى المغالطة والتبرير القائم على مصطلحات لم نسمع بها من قبل فى عالم السياسة، مثل الكرامب وشاحن الموبايل والحشد بالمشاوى.
جاذبية الشيخ حازم ومحبة الناس له منحة إلهية -وكم من منحة هى فى الأصل فتنة وابتلاء- وهى أمر يجب أن نقره وأن لا نتجاهله أو ننفيه، لكن فى الوقت نفسه تبدو قيمة أفكاره السياسية فى قيمة ترابيزات البرامج التى أشبعها الشيخ حازم ترزيعا بكفه فى أثناء الحوارات ليقول لنا فى رسالة ضمنية كم هو قوى ومؤثر وزعيم يعرف الإجابات النهائية الصحيحة وحده... ما ذنب الترابيزات يا شيخ حازم؟