تفشل الأنظمة الحاكمة فى مصر على مستويات عدة، لكنها فى آخر مرتين كانت تنجح بجدارة فى إثبات صحة تلويحها بخطورة البديل لوجودها. قالها مبارك ملوحا ببديل الفوضى فى حال رحيله وحصل بالفعل، ولوّح أحد قيادات الجيش فى أثناء حكم المجلس العسكرى بالبديل وفى عينيه دموع هانى شاكر، إذ قال إننا سنعرف قيمة المجلس بعد رحيله وتسليم السلطة الذى يتوقع أن يكون لجماعة الإخوان المسلمين.
لا يمكن حساب هذه الشفافية المعجونة بالرؤية العميقة فى سجل مميزات هذين النظامين السابقين، بالعكس يمكن التعامل معها بمنتهى الأمانة باعتبارها دليل إدانة قوى الحجة عليهما، فالبدائل من صنعهما دون أدنى شك. الفوضى بديل لدولة هشة بوليسية النزعة يسيطر الفساد على مفاصلها، والإخوان كانوا بديلا لمؤسسة حكم لم تكن على دراية بأصول الحكم، يسهل استدراجها إلى صفقات وألاعيب ينتصر فيها فى النهاية أى جماعة تمتلك أدنى قدر من التنظيم، حتى لو كانت جماعة الكشافة فى مدرسة حكومية.
ما البديل الذى سيلوّح به مرسى إذا ما اشتد عليه الحصار؟ من المؤكد أنه سيلوّح ببديل المتشددين الذين يضمون بين جنباتهم إرهابيين تائبين وخريجى زنازين جرائم القتل السياسى باسم الدين. مرسى يسير على خطى النظامين السابقين فى صنع البديل الذى سيلوّح به وقت الخطر. لم يدخر جهدا فى التحالف مع التشدد والإفراج عن أعضاء التنظيمات ومنح ساسة السلفيين مساحات لم يكونوا يحلمون بها فى كل خطوة تشريعية أو مؤسسية، يستدرجهم بالشريعة إلى مليونيات التأييد لقراراته والهجوم على معارضيه، وعندما يستشعر قوتهم قليلا يخبئ موضوع الشريعة قليلا، ويخاطب المصريين باسم الاعتدال والوسطية، ثم سرعان ما يهيج مشاعر السلفيين بها من جديد إذا شعر أنه بحاجة إلى دعم شعبى. هم أيضا لا يتأخرون عن دعمه للدرجة التى تضع مرسى علنا فى مصاف خليفة عمر بن الخطاب وحفيد عمر بن عبد العزيز ومبعوث العناية الإلهية لإنقاذ مصر. مرسى يصنع بجدارة بديل الإسلاميين المتشددين، مثلما صنع مبارك بديل الإخوان بأن يقصيهم مرة ويدنيهم مرة حسب حاجته كمخرج لمسرحية الديمقراطية.
وأعتقد أن مرسى سيقع فى الخطأ نفسه الذى وقع فيه مبارك عندما اعتقد أنه يمتلك سيطرة كاملة على الإخوان. مرسى يعتقد واعتقاده باطل أن الأمور تحت السيطرة، وهو ما ثبت خطؤه عند أول مفترق طرق فى قضية عزل علم الدين من مؤسسة الرئاسة.
أعتقد أن الجزء الأكبر من معارضة مرسى يقوم على معارضة البديل الذى يصنعه، فتماثيل العجوة التى صنعتها الأنظمة السابقة هى التى التهمت الأنظمة لا العكس، كما هو شائع فى الأساطير. تماثيل العجوة تلتهم الأنظمة ثم تستدير للشعب.