تتكرر الأحداث، وتقع مصر فى الشَّرَك مرة أخرى، تتآمر عليها القوى الاستعمارية، لتفشل محاولتها للتحرر والبناء.
لكن يعيد التاريخ نفسه اليوم، ليعطينا فرصة جديدة لتصحيح المسار. يبدو أن علينا محاربة الحركة الوهابية مرة أخرى، إذا أردنا الخروج من الجهل إلى الإيمان والعلم، لننهض ويصلح حالنا.
التصدى لحركة إسلامية سياسية، تحالف فيها السياسى مع الدينى للوصول إلى السلطة. الشيخ محمد بن عبد الوهاب والأمير محمد بن سعود. بايع الشيخ الأمير «السياسى» على السمع والطاعة، مقابل مبايعة الأمير للشيخ على نشر دعوته. أعلنا «الجهاد» وشنَّا الغزوات على بلاد المسلمين!
يرى الوهابيون أن المسلمين قد وصلوا إلى الشرك بالله ويستحقون القتل، فكل من خالفهم كافر وضالّ. هم أهل السنة الحقيقيون والفرقة الوحيدة الناجية، وعليهم تطبيق نصوص الكتاب والسنة التى نزلت فى حق الكفار والمشركين على المسلمين.
أول من خرجوا على الخلافة الإسلامية وحاربوها فى شبه الجزيرة والعراق والشام. انتقد الحركة الوهابية كثير من علماء السنة، مستنكرين تكفيرهم كل من يخالفهم، وتشكيكهم فى عقيدة أئمة السنة، ودعوتهم لقتال من يعارضونهم واعتبارهم مشركين. ومن هؤلاء المنتقدين أخو محمد بن عبد الوهاب، فى كتابه الذى نُشر بعنوان «الصواعق الإلهية فى الرد على الوهابية» وباسم «فصل الخطاب فى الردّ على محمد بن عبد الوهاب» (ويذكِّرنا بمواقف الراحل جمال البنا).
تحت حكمهم تدهور حال أهل الحجاز، وأثقلت الضرائب كاهلهم. ضرب الحجازَ الإفلاسُ بسبب تحريم الوهابيين السعوديين التجارة مع العراق والشام وغيرهم باعتبارهم «مشركين»، ومنع الحجاج التابعين للدولة العثمانية من الحج، فانهارت منظومة اقتصاد الحجاز ( كيف حالنا اليوم؟).
جاءت مهمة مصر الأولى للتصدى لهم عام 1811، بعد أن أسس محمد علِى مصر الحديثة، وقرر تأمين طريق الحجاج والتجارة. تمكن الجيش المصرى من فتح المدينة المنورة ثم جدة والطائف. وفى 1818 توجه إبراهيم باشا على رأس جيش إلى الحجاز، واقتحم نجد ودحر الوهابيين.
ولكن ضُرب الجيش المصرى بتآمر إمبراطوريات أوروبا بزعامة إنجلترا ضده فى اليونان، بعد أن بنى محمد على جيشه على الطراز الحديث وثبَّت دعائم حكمه، وبعد أن حقّق الجيش المصرى انتصارات كبيرة أفقدت المؤامرة مصر أسطولها، وفى عام 1827 انتهت العسكرية المصرية الحديثة.
وانطلقت الدعوة الوهابية مرة أخرى أوائل القرن العشرين وأصبح نظام الحكم فى شبه الجزيرة العربية نظامًا وراثيًّا سياسيًّا ودينيًّا!
هذا هو النموذج الذى أسسه الوهابيون فى أفغانستان، ويريدونه فى مصر وسوريا وباقى البلاد. ويفضل أتباع الوهابية فى مصر تسميتهم بالدعوة السلفية أو أهل السنة والجماعة. غزوا مصر فى تحالف السياسى (الإخوان) والدينى (السلفيين)، ودْعم الاستعماريين الجدد لهم، بمال من يحقدون ويريدون الأخذ بالثأر من جنود محمد على وشعب مصر.
لم أصدق يوما أن الإخوان سيحكمون مصر، ولن أصدق أن يستقر لهم حكمها يوما. ويقينى أنهم إلى زوال، وكل مواقفهم منذ أول يوم للثورة، وطوال سعيهم للسلطة، تثبت ذلك. يحرزون مكسبًا ماديًّا فى مؤسسة أو منصب، ويخسرون أمامه مراحل وعقودًا من المصداقية والثقة والاحترام والولاء. وإذا عقدنا مقارنة بين المُحرَز والمفقود، سندرك أن انهيار الإخوان ليس فقط وشيكًا، وإنما سيكون مدويًا وجذريًّا.
كل ما حولنا ينبئنا وبقوة بأننا لا نحتاج اليوم إلا إلى إصلاح دينى، يعيد للدين الإسلامى مكانته، وثقله الروحى والأخلاقى فى حياة الناس، بعد عقود من التسطيح والشكلانية الدينية. هجرنا القرآن إلى الأحاديث، ثم هجرنا الاثنين إلى أقوال الشيوخ قدامى ومعاصرين، حتى أصبح كل جاهل رجل دين لمجرد إطلاقه اللحية، وربما سمع شريطًا، ولم يقرأ حتى كتابًا فى حياته.
إعادة الاعتبار للدين الإسلامى بسماحته وتعاليمه، هو ما سيكون هدف المصريين بعد التخلص من المدعين جميعا والملتحفين بالإسلام سعيا للسلطة، وكل من حمَل الإسلام مرضه وعنفه وحقده. لم يعد لدى هؤلاء قبول الدين واحترامه من الغير هو الهدف، وإنما هدفهم الأوحد هو إجبار الناس على الخضوع لمشاريعهم وأطماعهم، ورغبتهم فى السلطة والانتقام من المجتمع، وتكفير المسلمين. إنها الوهابية تسعى لاحتلالنا بعد أن صدَّتها الجيوش المصرية عن المنطقة قبلا، واليوم لا نحتاج إلا إلى إكمال مهمة إبراهيم باشا والتصدى لغزوتهم والمتآمرين معهم.