هل يمكن لنا أن نتصور أن جماعة الإخوان المسلمين بعد فترة طويلة فى العمل السياسى والدعوى السرى منه والعلنى، الآن قادرون على أن يفهموا أو يتفهموا تلك الإشارات الشديدة الدلالة التى تخرج من مرحلة سنية مشهود لها بالنقاء والنظرة المستقبلية الكبيرة، وهى أصوات شباب مصر، ونقصد تحديدا الآن شباب الجامعات فى مصر، انتخابات اتحادات الطلبة التى أقيمت فى مصر منذ أيام، والتى اكتسح فيها طلاب القوى المدنية والمستقلون والأحزاب قوائم الإخوان فى معظم جامعات مصر، أليس ذلك مؤشرا على تراجع شعبية الجماعة وحلفائها من تيار الإسلام السياسى بوجه عام، أليست نتائج الانتخابات الأخيرة داخل الجامعات تؤكد أن طلبة الجامعات غيروا نظرتهم الضيقة فى اختيارهم ممثليهم فى الاتحادات الطلابية، والتى كانت تعتمد اعتمادا كليا على انتخاب من يقدم خدمات طلابية، وكأن الإخوان فى هذا المجال لهم باع كبير، والآن ومع نتائج الانتخابات الأخيرة نجد أن طلاب مصر بدؤوا ينظرون إلى الأمور بطريقة أخرى، فيها نظرة مجتمعية أوسع من نظرة الخدمات الطلابية داخل أسوار الجامعات، وبدؤوا يضعون بعين الاعتبار من يمثِّل الطلاب تمثيلا جيدا، ويكون منتميا إلى فكر وسطى مصرى أصيل، يبعد عن التطرف وعن الأفكار الرجعية ويفتح مجالا واسعا للمستقبل، ومن ينظر إلى تلك النتائج يتأكد أن الطلاب صوتوا على أساس البرامج السياسية للمرشحين، وليس على أساس القضايا أو الخدمات الطلابية، وهذا يدل دلالة قاطعة على وعى الطلاب السياسى بعد ثورة 25 يناير.
والإشارة الأخرى التى لا يمكن لأحد أن ينكرها أو يتغافل عنها هى أن هناك ترديًا لشعبية جماعة الإخوان فى الشارع، انعكست بطبيعة الأحوال على الطلاب داخل الجامعة فذهبوا عن طريق الإخوان، وهذا يدل على نمو وعى الطلاب فى مصر بطريقة ملفتة للنظر.. وما حدث من نتائج فى اتحادات الطلاب فى مصر يعطى أيضا مؤشرا لا يمكن إغفاله عن نتائج أى انتخابات شعبية قادمة فى مصر، بشرط أن تقام فى ظل إشراف قضائى كامل، وفرص متساوية للمرشحين بعيدا عن الرشاوى الانتخابية «الشنط والبطاطس»، وبعيدا عن اختراع الطوابير الطويلة حتى ييأس الناس ويذهبوا عن الطوابير، وأن تكون الدوائر الانتخابية موزعة بالكتل التصويتية بالعدل، كل ذلك يؤكد لنا أنه إذا حدث لن تتعدى أصوات الإخوان أو الإسلاميين من 20 : 30%.
إن ما حدث فى الانتخابات الأخيرة لاتحادات الطلاب يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن المجتمع المصرى فى طريقه إلى أن يضع الإخوان فى حجمهم الطبيعى فى العملية السياسية، وأن أبناء الطبقة المتوسطة فى مصر والتى تتميز بالتدين الوسطى وبطبيعة الحال ترفض استغلال الدين لتحقيق مصالح سياسية ضيقة، بدأت تعى ما يحدث حولها، ولذلك بدأت تتصدى لكل ما هو بعيد فكريا، فعندما نرى أن قوائم القوى المدنية تفوز بكل مقاعد كلية الإعلام بجامعة القاهرة، وتحصل على أكثر من 80% من مقاعد كلية الهندسة، وفى الصيدلة يحصلون على أكثر من 95%، وفى الطب الكلية صاحبة الثقل الإخوانى يحصلون على 78 مقعدًا يحصل الإخوان على 20 مقعدًا، وفى جامعة عين شمس تقريبا نفس النسب وفى جامعة الإسكندرية يفوز المستقلون أيضا عليهم، بل ويحصلون على مقاعد رئيس اتحاد جامعة الإسكندرية، وفى كلية كالفنون الجميلة لم يحصل الإخوان على مقعد واحد، وفى كلية العلوم حصلوا على مقعد واحد، بينما حصل طلاب القوى الثورية على 41 مقعدًا.. وأيضا تحقق قوائم طلائع القوى الثورية والتيار المدنى والمستقلين فوزا ساحقا على طلاب جماعة الإخوان المسلمين فى جامعات الدلتا، ففى جامعة كفر الشيخ يحصل الإخوان المسلمون على 5% من المقاعد، بينما يحصل الطلاب المنتمون للتيار الناصرى والتيار الشعبى وحزب الدستور على 95%، ويفوز ممثلوهم برئاسة الاتحاد، ومقعد النائب وتكتسح القوائم المدنية جامعة المنوفية، ولم يحصل الإخوان فى جامعة المنوفية سوى على 1% من المقاعد، وأيضا فى جامعة طنطا تخسر جماعة الإخوان غالبية المقاعد، وبكلية الهندسة بالجامعة تفوز قائمة المستقلين بجميع المقاعد، ويخسرون فى جامعة بنى سويف وأيضا جامعة بنها ويحصل التيار المستقل على 99%، بينما يحصل الإخوان على 1%.
المشوار طويل وبانتهاء الجولتين الأولى والثانية فى أكثر جامعات مصر لم يكن مفاجأة لكل من يراقب العمل السياسى جيدا أن تُهزَم الجماعة، وتصاب بفشل انتخابات الطلاب، وحتى كلية دار العلوم، معقل الإمام حسن البنا إمامهم خسروا فيها، وفشلوا فشلا ذريعا فى الحصول على أى مقعد من مقاعد لجان اتحاد الكلية السبعة.. لذلك لا بد أن نحاول أن نفهم سؤالًا هامًا، هل الإخوان المسلمون والتيار الإسلامى فى مصر لا يقدران تقديرا محترما ما يحدث على أرض مصر وما تخرج من الجماهير من إشارات واضحة جلية تؤكد أنهم لا يرضون عن الوضع الحالى الذى توجد فيه مصر ولا عن حاكم مصر ولا جماعته ولا حزبه؟. يرى الكثيرون أنهم لا يرون ولا يتفهمون ولا يفهمون، وهذا شىء سيذهب بنا جميعا إلى الضياع، لذلك من المهم أن نحاول أن نجعل هؤلاء الأشاوس يفهمون أو حتى يتفهمون أن الشارع الآن رافض رفضا باتا سياساتهم فى الفترة الأخيرة.. ويبرز سؤال آخر، لماذا وسط هذه الظروف التى تؤكد أن الجماهير فقدت ثقتها فى الإخوان المسلمين والتيار الإسلامى عامة ومع ذلك يخرج الإخوان وبالحاح لإقامة الانتخابات سريعا، ويطعنون على الحكم الصادر من المحكمة الإدارية بوقف الانتخابات؟ مع أنهم تعهدوا أنهم لن يطعنوا ومع ذلك رجعوا فى كلامهم كالعادة. نرجع إلى السؤال كيف يطالبون بالانتخابات وشعبيتهم فى انهيار، الرد بسيط أنهم يفكرون بلا أدنى شك فى الحصول على الأصوات بطريقة غير شرعية، عبر قانون انتخابات تجعلهم فى المقدمة غصبًا عن كل الناس، ولكن ستظل المقاومة ضدهم إلى النهاية.