اعتدنا أن نقرأ أو نسمع، ونرضى أو نرفض، نتقبل أو نتنور، لكن أكثرنا لا يتوقف أمام المفردات ليتأملها ويقوم بتحليلها، الأمر الذى دفعنا إلى تجريب نوع جديد من المطالعة. والذى دفعنا إلى هذا التجريب التحليلى هو مقال قرأته وكتبت عنه مرات دون أن ألتفت إلى المغزى الكامن فى مفرداته. والمقال ليس لأى شخص ولكنه للشيخ عبدالرحمن الساعاتى والد الأستاذ حسن البنا. وقد نشر كافتتاحية للعدد الأول لمجلة «النذير» لسان حال الجماعة عام 1936. ونطالع النص: «استعدوا يا جنود، وليأخذ كل منكم أهبته، ويعد سلاحه، ولا يلتفت منكم أحد، امضوا إلى حيث تؤمرون. وخذوا هذه الأمة برفق، فما أحوجها إلى العناية والتدليل. وصفوا لها الدواء فكم على ضفاف النيل من قلب يعانى وجسم عليل. واعكفوا على إعداده فى صيدليتكم، ولتقم على إعطائه فرقة الإنقاذ منكم. فإذا الأمة أبت فأوثقوا يديها بالقيود وأثقلوا ظهرها بالحديد. وجرعوها الدواء بالقوة، وإن وجدتم فى جسمها عضواً خبيثاً فاقطعوه أو سرطاناً خطيراً فأزيلوه. استعدوا يا جنود فكثير من أبناء هذا الشعب فى آذانهم وقر وفى عيونهم قذى» [النذير – العدد الأول – أول المحرم1357].
التحليل: استعدوا [فعل أمر] – يا جنود [الجنود أداة قتال] – ويعد سلاحه – لا يلتفت أحد [أمر صارم] – امضوا إلى حيث تؤمرون [السمع والطاعة] – خذوا هذه الأمة برفق [مسلسل الخداع والوعود والحوارات التى لا تثمر شيئاً] – صفوا للأمة الدواء وأعدوه فى صيدليتكم [هكذا يحددون هم القوانين والدستور ويعدونه فى مكتب إرشادهم]. ولتقم على إعطائه فرقة الإنقاذ منكم [البرلمان ومنهم وحدهم] فإذا الأمة أبت [وهو ما يحدث الآن رفضاً لحكم مكتب الإرشاد] فأوثقوا يديها بالقيود وأثقلوا ظهرها بالحديد [الاتحادية – بورسعيد – المحلة – طنطا – الإسكندرية – المنصورة] وجرعوها الدواء بالقوة [وهو ما يحاولونه وبإلحاح] فإن وجدتم فى جسمها عضواً خبيثاً فاقطعوه أو سرطاناً خطيراً فأزيلوه [ميليشيات الاتحادية – ورصاص جنازة شهداء بورسعيد – اقتحام الميليشيات الإخوانية لمقار الأحزاب فى المنصورة] فكثير من أبناء هذا الشعب فى آذانهم وقر وفى عيونهم عمى [يقولون عن المتظاهرين بلطجية – فلول – ثورة مضادة مثيرى الشغب].
والآن.. ألا ترى معى عزيزى القارئ أنه ما من مصادفة – أنها نظرية متكاملة وضعت منذ بداية تأسيس الجهاز السرى فى عام 1936 ويجرى الالتزام بها كلمة بكلمة وحرفاً بحرف. إنها تعليمات صارمة مستمرة وواجبة الإلزام جيلاً بعد جيل.
ويمضى الابن فى ذات المسار بل هو صاحب المسار، فقد كتب فى ذات العام وكأنه يرسم الطريق للقادمين للجهاز السرى فيقول: «وما كانت القوة إلا كالدواء المر الذى تحمل عليه الإنسانية العابثة المتهالكة تُحمل عليه حملاً، ليرد جماحها ويكسر جبروتها وطغيانها، وهكذا كانت نظرية السيف فى الإسلام. ولم يكن السيف فى يد المسلم إلا كالمشرط فى يد الجراح لحسم الداء الاجتماعى» [النذير- رمضان 1957هـ].. وهكذا يكون الأمر فى أيام حكومة المرشد [الرشاش فى يد عضو الميليشيا الإخوانى كمشرط الجراح لحسم الرفض الشعبى الجارف لحكم مكتب الإرشاد].
ولا تحتاج الكلمات إلى مزيد من شرح أو مقارنة.