لم أتمنَّ أن تكون هذه التصريحات المنسوبة إلى وزير العدل صحيحة، لأنها تقول بكل وضوح: عليه العوض ومنه العوض، فى دولة كان يحكمها القانون!!
تقول التصريحات المنسوبة إلى وزير العدل إن وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم هو الذى أخبره بنتيجة التقرير المبدئى بشأن وفاة الناشط محمد الجندى، والذى أعدته مصلحة الطب الشرعى التابعة لوزارة العدل (!!) وأن وزير الداخلية طلب منه إعلان الخبر، فقام وزير العدل على الفور بالتنفيذ، وأعلن أن الشهيد محمد الجندى قد توفى فى حادثة سيارة.. وهو ما ثبت كذبه بالتقرير الذى صدر عن اللجنة الثلاثية بعد ذلك، وبشهادة كل الخبراء والشهود المستقلين الذين أجمعوا على أن الشهيد تعرض للتعذيب حتى الموت، وليس لحادثة سيارة!!
عليه العوض ومنه العوض.. هى أقل ما يقال بهذا الشأن، لأننا لسنا فقط أمام واقعة لتضليل العدالة والتدليس على الرأى العام، ولكننا أمام امتهان حقيقى لكل معانى استقلال القضاء وسيادة القانون، وإخضاع كل أجهزة الدولة- بما فيها الأجهزة المسؤولة عن إقرار العدالة- لسلطة الفاشية التى لا تتورع عن قتل المعارضين وقهر المواطنين، وممارسة كل الجرائم، لكى تقيم دولة الاستبداد بديلا عن دولة القانون!!
عليه العوض ومنه العوض.. الآن نفهم كيف احتفلت أجهزة الحكم بالذكرى الثانية للثورة بقتل ما يقرب من خمسين شهيدا فى بورسعيد وعشرات غيرهم خارجها، دون أن تمسك هذه الأجهزة بمسؤول واحد عن هذه الجرائم!!
والآن نعرف أن دماء جيكا والجندى والشافعى والعشرات من شباب الثورة الذين تم استهدافهم عمدا لن تجد القصاص العادل، إلا إذا سقطت الفاشية وعاد حكم القانون، وعادت الثورة إلى أصحابها الحقيقيين!!
الآن نعرف أن النائب العام كان يتصرف بنفس منطق وزير العدل، حين طلب من المستشار خاطر أن يحبس ضحايا التعذيب فى مجزرة «الاتحادية» باعتبارهم متهمين.. حتى لا يغضب الرئاسة!!
والآن نعرف كيف يمتهن القانون ليصبح فى خدمة السلطان، وكيف يتم ذبح المبادئ من أجل مصلحة الشخص أو الجماعة، وكيف يتم «استحلال» كل شىء بما فى ذلك دماء الشهداء أو مصير الوطن.. من أجل الهيمنة على الدولة والاستحواذ على مؤسساتها!!
والآن نفهم أن النائب العام كان يعرف أنه واقف على أرض صلبة، وهو يرتكب فضيحة المادة «37»، ويفتح الباب لإضفاء الشرعية على الميليشيات التى انطلقت على الفور لتمارس مهمتها المتفق عليها (!!) ولتؤكد أنها كانت جاهزة ومستعدة «بعلم السلطات طبعا» وبأنها لم تفاجأ بدعوة النائب العام الذى يعرف جيدا أنها دعوة باطلة، ولكنه يعرف أن من وضعه بالباطل فى موقعه لا ينتظر منه أن يكون مع الحق والقانون، بل أن يكون مع السمع والطاعة.. وقد فعل وسيفعل!!
بعد ظهور ما سموه «البلاك بلوك» والتى نعتبرها ظاهرة مشبوهة لا علاقة لها بالثورة أو الثوار، قام النائب العام بإصدار قرار بالقبض على كل من ارتدى الملابس السوداء مثل هذه الجماعة، حتى خشى الناس من أن يمتد قرار النائب العام إلى سرادقات العزاء!!
الآن.. ماذا سيفعل النائب العام صاحب «الفضيحة 37» بعد أن اجتاحت محافظات مصر الميليشيات المسلحة تعلن أنها ستقيم دولتها وتفرض قوانينها بديلا عن دولة تنهار بفعل فاعل؟!
لا النائب العام سيفعل شيئا، ولا وزير العدل سيتحرك إلا دفاعا عن قرارات يعرف أنها خارج القانون، ولا الحكومة ستقول كلمة، لأنه لا توجد حكومة من الأصل. والحقيقة الوحيدة فى كل ما تشاهده حولك هو أنه إذا لم ينجح الشعب- الآن، لا غدا- فى استرداد ثورته وإسقاط حكم الفاشية، فإن التاريخ سيكتب أنه كانت لدينا ثورة، وكانت لدينا دولة، وكان لدينا قانون... وعليه العوض ومنه العوض!!