اقتربنا من مرور تسعة أشهر على حكم مرسى، المرشد والجماعة ومصر تسير من سىء إلى أسوأ. تسعة أشهر لم يمر على مصر فيها يوم هادئ ولم يسمع المصريون خبرا سعيدا. تسعة أشهر والدماء تنزف فى الشوارع ويتواصل سقوط الشباب ما بين رصاص الأمن المركزى وقنص الطرف الثالث وخطف وتعذيب وسحل من جانب ميليشيات الجماعة. تسعة أشهر لم تتوقف خلالها الاحتجاجات ولا المطالب الفئوية. تسعة أشهر فرض خلالها الرئيس المدنى المنتخب الذى جاء بعد ثورة مخملية، الطوارئ وحظر التجوال على أهلنا فى بورسعيد ومدن القناة. تسعة أشهر تراجع فيها الاقتصاد المصرى وتآكل الاحتياطى النقدى وتدهور سعر صرف الجنيه المصرى أمام العملات الأجنبية، تراجعت صادراتنا ولم يعد لدينا من الاحتياطى النقدى ما يغطى واردات البلاد للأشهر الأربعة القادمة، استوردنا قنابل الغاز لضرب المتظاهرين والثوار وأوصى وزير داخلية المرشد، رئيس وزرائه بقبول منحة من إيران قنابل غاز مسيلة للدموع هدية من النظام الإيرانى إلى نظيره المصرى. تسعة أشهر انفرط خلالها عقد مؤيدى مرسى والمرشد من غير المنتمين إلى الجماعة، من الذين راهنوا على حكم الجماعة، ومن « عاصرى الليمون» الذين قبلوا بمرسى رفضا لشفيق واضطروا على ابتلاعه باعتباره يمثل أهون الضررين، فاستنتجوا أن خيارهم كان مرا بطعم العلقم للمصريين ومن ثم توالت اعتذاراتهم إلى الشعب المصرى. التفت قوى الإسلام السياسى على مختلف انتماءاتها حول مرسى ورأت أنه يمثل المشروع الإسلامى ومن ثم لا بد من مساندته ودعمه، فوجود مرسى فى السلطة سوف يساعدهم على الانتشار فى مؤسسات الدولة ويحصلون على جزء مهم من «كعكة السلطة». وسرعان ما اكتشف هؤلاء جميعا أن مرسى لا يعمل إلا لخدمة الجماعة، مشروعها ومصالحها، بل إن الجماعة بدأت تستهدف القوى الإسلامية الأخرى فقامت بشق صفوف حزب النور وبدأت فى التضييق على أنشطة الحزب فى المحافظات مثلما كانت تضيق على الأحزاب المدنية، تصور حزب النور أنه سوف يتقاسم السلطة مع الجماعة وأنه سوف يدخل إلى مفاصل الدولة فى صحبة الجماعة، ثم اكتشف أن الجماعة تتسلل إلى مفاصل الدولة مفردها وتغلق الأبواب فى وجه القوى السياسية الأخرى، ويمكن أن تسمح لقوى إسلامية هامشية بالحصول على بعض المواقع كمنحة من الجماعة على غرار ما تفعل مع حزب الوسط، وهو أمر تفعله الجماعة أيضا مع قوى مدنية هامشية لقاء السير فى ركابها مثل «غد الثورة». تسعة أشهر مرت على تولى الدكتور محمد مرسى رئاسة مصر والبلد تتراجع على يديه، الأزمات تنتشر فى كل مكان، الفوضى تضرب كل مناحى الحياة، والعشوائية وصلت إلى قلب القاهرة. نجح مرسى فى ترييف القاهرة، وفى شق صفوف المصريين وزرع الكراهية بينهم، نجح فى تمزيق جهاز الشرطة، وضرب هيبة القضاء المصرى ولم تتوقف محاولاته الرامية إلى اختراق المؤسسة العسكرية والسيطرة عليها من قِبل الجماعة. أخطأ مرسى فى حق مصر والمصريين ولم يتخذ قرارا مدروسا ولو مرة واحدة، يتخذ قرارات عشوائية تثير الفوضى والاضطراب سرعان ما يتراجع عنها بعد أن تثير عاصفة من الغضب والاحتجاج، كل ذلك والرئيس وجماعته يبررون أفعالهم من منطلق أن مرسى رئيس منتخب معه شرعية الصندوق وهو أمر يتجاهل حقيقة أن انتخاب الرئيس لمدة محددة لا يعنى تفويضا له طوال هذه المدة، بل يعنى تفويضا حده الأقصى هذه المدة وأنه فى حال اكتشاف خطأ قاتل أو عيب جوهرى أو فشل ذريع يمكن لصاحب التفويض سحبه عبر إعادة التصويت عليه مرة أخرى، مثله فى ذلك مثل من يشترى بضاعة معينة ثم يكتشف عيبا خطيرا أو خللا جسيما لا يمكن إصلاحه، هنا من حقه أن يرد البضاعة إلى أصحابها ويسترد حقه المدفوع سواء كان مالا أو تفويضا ويصبح حرا فى شراء بضاعة جديدة أو منح التفويض لشخص آخر، ومن نافلة القول أن من حقه أن يعيد شراء البضاعة التى سبق وردها إذا لم يجد فى السوق أفضل منها.
وسط هذه الأجواء التى يسودها الانقسام والتخبط، طرحت القوى المدنية فكرة إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، سرعان ما جاء الرد بالرفض من تيار الإسلام السياسى، ومع استمرار التخبط فى الأداء والتدهور الشامل فى قدرات الحكم دعت قوى إسلامية وشخصيات محسوبة على التيار للقبول بهذه الفكرة، مؤكدة أنه لم يعد هناك مفر من إجراء انتخابات رئاسية مبكرة والعودة إلى الشعب المصرى كى يختار رئيسا للبلاد من بين مرشحين من مختلف الانتماءات، وفى جميع الأحوال ستهدأ الأوضاع فى البلاد بصرف النظر عن انتماء من سينتخبه الشعب حتى لو كان من الجماعة لأن الرسالة ستكون واضحة للجميع بعد الانتخابات، وهى أن من فاز هو من أراده الشعب ومن ثم على الجميع احترام هذا الخيار، بقى أن تتوقف الجماعة عن سياسة العناد والاستعلاء وتقبل بخوض انتخابات رئاسية مبكرة، لا سيما وهى تردد ليل نهار أن الشارع معها.