كانوا واقفين قدّام القسم. وكان منظرهم مثيرا للشفقة غالبا وللسخرية أحيانا. مجموعة ملتحين يشعلون إطارات بجوار الطريق. كنت أتوقع أن يكون لهم سجين يريدون الضغط للإفراج عنه. ولو كان هذا هدفهم لتعاطفتُ معهم. سألهم صاحبى عن سبب وقوفهم. فبَدَوْا متلعثمين ومرتبكين وغير فاهمين. وبالتالى فهمت أنهم واقفون وكفى. هناك من قال لهم أشعلوا الإطارات، لا تقفلوا الطريق، وخليكم واقفين جنبها. لم يكن وقوفهم غير رسالة إرهاب: إذا انسحبت الشرطة فنحن القادمون. ربما لهذا السبب اختاروهم ممن لهم لحى طويلة وثياب قصيرة. الإخوانية تلعب نفس لعبة المباركية. إذا رحلتُ فبديلى هو الإخوان، قالها مبارك. أما الإخوانى فيقول، إذا رحلت فبديلى هو اللحى الطويلة والثياب القصيرة، بديلى هو القاعدة. ولا مانع من أن يقوم البعض بعمل توكيلات لأيمن الظواهرى، لتصل الرسالة بشكل أوضح.
فكرة أن تقوم جماعات بحفظ الأمن، فكرة كلها خاطئة فى بيئة مثل سيناء، تقوم فيها العلاقات على العشائرية والقبائلية. ولكن يبدو أنها أوامر تأتى من القاهرة دون دراسة كافية للبيئة التى سيطبَّق فيها الأمر. وصلاحية الرسالة ليست منعدمة فى سيناء وحدها. هى رسالة منعدمة الصلاحية فى المدن أيضا. تلك مدن فيها ثوار متشوِّفون للتصادم مع جماعات يصفونها بالخرفان .وقد جرّبوا التصادم معها من قبل. مرة فى ميدان التحرير. ومرات فى غيره. فى ميدان التحرير، فَرَّت جماعات وتركت نساءها وراءها فى جامع عمر مكرم. يومها قام الثوار بتسليمهم نساءهم. ولم ينسوا أن يذكّروهم «عيب تهرب وتسيب حريمك وراك يا عم الشيخ». فى الاتحادية وفى الإسكندرية، جرّب الثوار، مرة ثانية وثالثة، التصادم معهم. وفى المعركتين بدوا ضعافا وغلابة ويستحقون الشفقة، رغم أنهم، هم اللى أقدموا على إشعال نيران الحرب ولم يكن الثوار فى الثلاثة مواقع سوى مدافعين.
سألت، همَّ مبسوطين بوضعهم كمسؤولين عن الأمن؟ مَن سألته قال، إطلاقا هم ناس وراهم أشغال. وهذا يشغلهم عنها!! قلت، إذن هى رسالة إرهاب. وكفى الله المؤمنين شر القتال. رسائل الإرهاب نجحت من قبل فى مواقع متعددة. نجحت مع المجلس العسكرى مثلا. فانحنى وأعلن عن مرسى رئيسا لمصر، غصبا عنه وغصبا عن لجنة الانتخابات، تحت تهديد الحرائق التى قالوا إنهم سيحطون عيدان كبريتها المشتعلة فى قش مصر.
منذ اللحظة الأولى بدت خطة الإخوان منفصلة تماما عن الواقع، لذا لا بد من اللجوء للتلويح بالقوة والإرهاب لفرض خطتهم. الثورة هى واقع مصر. والتمكين هو واقع الإخوان. الثورة حالة متجددة ومتواصلة وبنت زمنها. والإخوان أبناء أزمان بعيدة، تزحف مثل الجراد لتأكل أخضر زمان الثورة ويابسه. إخوان ابن هلاوس التمكين. تمكين فصيل من رقبة مجتمع. والثورة بنت التعدد. كل الفصائل عند الثوار متساوية، بشرط واحد ما غيره: أن يكون الفصيل مؤمنا بفضيلة التعدد. والإخوان ليس ابن التعدد، ولا ابن التطور.
كنت فى المعتقل لما قلت هدف الأدب تطوير اللغة. كنت فى وصلة دفاع عن نجيب محفوظ قدام ناس يرمونه بالكفر ويقهقهون وهم يشرحون كيف أن نجيب محفوظ سمى الله جبلاوى فى رواية «أولاد حارتنا». أمس تذكرت تلك القهقهة لما شفت كليب عن تدمير مقام سيدنا عمار ابن ياسر، رضى الله عنه وأرضاه. أطلقوا صواريخهم على المقام. ولما تحول إلى كومة ركام يخفيها الدخان المتصاعد أطلقوا قهقهاتهم، صرخت يا إلهى: هؤلاء الناس يقهقهون حين يشمون رائحة الموت والدمار. تذكرت (جمعة) اللى كان واقف على منبر رسول الله لما قال، إحنا متعطشين للدماء. قلت هذا أنت المتعطش للدماء، لكنه ليس ديننا. ديننا أبدا لم يكن ولن يكون متعطشا للدماء. بل جاء لحقن الدماء. متعطشين للدماء. لكن ويالرحمة الله، فَمُكُم منزوع الأسنان.. بالضبط مثل فَمِ ثعبان قام حاوٍ بنزع أنيابه.