(1)
ما الفرق بين الدولة والقبيلة؟.. الدولة تقوم على المؤسسات وعلى مرجعية القانون وعلى المواطنة أى المساواة التامة بين الأفراد والقدرة على استيعابهم بغض النظر عن أى اختلافات، أما القبيلة فهى تقوم على العصبية والقرابة، فكل من لا ينتمى لنفس العائلة (أو الفخذ بلغة بعض الثقافات أو لرابطة الدم أو الدين أو الثقافة.. إلخ) التى تحكم، فهو غريب ولا يحق له الاشتراك فى إدارة شؤون القبيلة أو الاستفادة من ثرواتها.
من هنا كان إنجاز محمد على العبقرى (وهو الحاكم الوافد) الذى فهم قيمة مصر وأهميتها فصار يبنى الدولة الحديثة فى مصر. دولة حديثة تنقلها من مجتمع محكوم بحكام وافدين هم العثمانيون أوكلوا الحكم من الباطن للمماليك مع الأوجاقات وهو ما يعرف بالسلطة الثلاثية.
(2)
مقومات ثلاثة قامت عليها الدولة الحديثة فى مصر.. أولاً: المؤسسات الحديثة من: قضاء وتعليم ونشر وترجمة وتخطيط، وثانياً: الجيش الوطنى، وثالثاً: الجهاز الإدارى. مع إتاحة الفرصة للمصريين لتملك الأراضى الزراعية، أى إشراكهم فى امتلاك الثروة العامة للبلاد بعد أن كانوا مبعدين عنها بالتمام. من أعظم ما تميز به نهوضنا الوطنى المدنى فى موجته التأسيسية هو تبلور ما يمكن تسميته بـ«مدرسة قومية مصرية» فى الطب والهندسة والآثار والفن والعلم والقانون والسياسة والفقه.. إلخ، بفعل النجاح فى المزاوجة، نسبيا، بين التحديث والحداثة.
التحديث الذى عنيت وحرصت من خلاله النخبة على إحضار كل ما هو جديد فى شتى المجالات من: خلاصة الفكر العالمى من نظريات وأفكار، وإبداعات الفن والأدب الإنسانى، وإنجازات علمية وتقنية، أحضروا الجديد الذى التقى مع تطورنا الذاتى وتفاعل معه... فكانت: «الحداثة».
(3)
وكان من المفترض أن تجدد سلطة ما بعد 25 يناير الدولة الوطنية المصرية الحديثة، إلا أنها ومنذ اليوم الأول أسست لدولة «الأهل والعشيرة»، وأخذت تتحرش بالمقومات الأساسية للدولة الحديثة، لذا لم نبالغ عندما كتبنا مقالاً منذ ثلاثة شهور فى نفس هذه المساحة عنوانه: «دفاعاً عن الدولة الوطنية الحديثة» لأننا رأينا تأسيساً بديلاً قوامه «القبيلة» لا الدولة، ومشروعه مشروع جماعة بعينها على حساب الوطن.
(4)
وقول أحد الباحثين السياسيين المعتبرين: «إن مفهوم الدولة يتقرر من خلال الكيفية التى تدير بها السلطة السياسية شؤون الناس...». وعليه، فعندما تبدأ السلطة فى إقامة أجهزة موازية لمؤسسات الدولة. وإعطاء الأفراد حق الضبطية القضائية فإن الذى سيستفيد من هذا «الأقربون» قطعاً، وأخيرا التحرش بكل مقومات الدولة الحديثة، فإنما يعنى هذا بالأخير تأسيساً جديداً لسلطة القبيلة على حساب الدولة.
(5)
فى هذا السياق نجد الكثير من التساؤلات تفرض نفسها وتحتاج إلى إجابة. كيف يترك المواطنون دون طمأنة؟ ومن المسؤول عن غلق أقسام الشرطة بشكل غير مسبوق فى تاريخ مصر الحديثة والمعاصرة؟ ولماذا؟.. وما هى الدلالة الرمزية لسرقة مقتنيات اتحاد الكرة والتى قطعاً فى مستوى من المستويات تعنى إخفاء لذاكرة مصر الحديثة التى عرفت الكرة منذ مطلع القرن العشرين؟.. إلخ.. ونتابع.