أتوقع أن يكون تعامل حركة الإخوان وحزبها ومندوبها فى قصر الرئاسة ومعاونيه مع الأحداث منطلِقًا من إيمانهم بأنهم كصحابة الرسول، وكلهم على صواب «بأيهم اقتديتم اهتديتم»، وأن الظرف شديد الصعوبة الذى يواجهونه إنما هو اختبار لمدى تمسكهم بأفكارهم وتمحيص لهم، يرتبط به وينتج عنه فرز لمن هو أكثر تمسكاً وصلابة عن غيره، وكلما ازدادت الظروف تعقيدًا والسواد حلكةً تعين ألا يتنازلوا أو يساوموا أو يبرحوا مواقفهم قيد أنملة، على رأى رفاعة أفندى، رئيس الديوان، الذى يبدو أنهم أدركوا حتمية ستره كالعورات!
وهذا التوقع ناتج عن مجرد القراءة السريعة لمواقف الجماعة وأفعالها، وردود أفعالها على ما يجرى، وحيث يجب استكمال الصورة بأن نتوقع أيضاً طبيعة رؤيتهم للآخرين فى المعادلة، بمن فيهم من ينهلون من المنبع نفسه، وهى فى ظنى رؤية يحاولون مطابقتها مع تصورهم لأنفسهم، فإذا كانوا هم فى مقام الصحابة الأتقياء الأنقياء المجاهدين الفاهمين، الذين يهتدى الناس بهم، فإن من ليسوا معهم على خط واحد أو من لا ينزلونهم تلك المنزلة أو ينازعونهم الولاية والخلافة هم فى ضلالة مظلمة، وخارجون على الجماعة فى أبسط الأحوال، أما من هم من ملة الليبرالية والقومية واليسارية، وكذلك المستقلون فهم خارجون على الدين، فى أبسط الأحوال أيضا، ويتعين إخلاء الأرض المسلمة منهم حتى لا يعيثوا فسادا!
إن خطورة هذا النوع من التفكير والسلوك لا تكمن فى الاستهتار بالمشاكل المتفاقمة، ولا فى الاستهانة بالآخرين بقدر ما هى إهانة للعقل، الذى كرّمنا الله به، وإهانة للعلم الذى ميّزنا الله به على سائر خلقه، بمن فيه الملائكة المقربون، وإذا جرؤ أحد على إهانة العقل والعلم معاً فلا سبيل عنده لاحترام الوطن ولا الحضارة ولا الثقافة ولا إرادة الأمة، وهذا بالضبط ما ترجمه مرشدهم السابق الذى يتحدث ويتصرف باعتباره «فتوة وقبضاى» بقول: «طظ فى مصر وأبومصر.. »، ومن بعدها كررها «طظ فى الذين لا يقبلون بالإسلام هو الحل»! فهو لم يقدم على هذه المضامين البشعة إلا لأن المنهج لديهم هو إهانة العقل والعلم معاً.
إننى لا أملّ من تكرار القصة التى تذكر أن واحداً مسه الجن فى خلافة عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، وأحضروه إليه فتقدم عمر إليه، ومال على أذنه وقرأ الفاتحة، فإذا بالجن يخرج مستجيراً يصرخ.. ومضت الأيام وبعد انتقال ابن الخطاب إلى رحاب الله حاول واحد ممن ظن فى نفسه أنه مماثل لعمر أن يخرج جناً من ممسوس بالطريقة نفسها ولم يحدث شىء، وإذا بأحدهم يقترب متسائلا: نعم إنها هى الفاتحة.. ولكن أين عمر؟! لذا فليس كل من أعطى لنفسه مكانة ليست له، قادراً على أن يأتى بما كان يفعله الصاحب الأصيل لتلك المكانة!
إنهم يهينون العقل، لأنهم يتغافلون عن أن الصحابة أنفسهم كانوا متفاوتين فى القوة والقدرة والخبرة، ولم يكونوا كلهم رجال دولة ولا قادة حكم، وأن منهم من أوقع الأمة فى مهالك مازلنا نجنى آثارها حتى الآن، بل إنهم يتغافلون عن أن عمر بن الخطاب أقدم على تحديد إقامة بعض الصحابة فى المدينة، ومنعهم من الخروج والاستقرار فى الأمصار المفتوحة، لأن السوابق أشارت إلى أن الناس كانوا يفتنون بهم، ويعتقدون أنهم مصدر التشريع ومنبع البركات، وترتب على ذلك أن أولئك البعض من الصحابة فتنوا هم الآخرون، ولم يسلكوا مسلكاً قويماً يرتفع بهم عن الشبهات!
وهم يهينون العلم أيضاً، لأن الواقع الذى كان قائماً فى صدر الإسلام لم يعد قائماً الآن، والمشاكل التى تصدى لها أبوبكر وعمر تحديداً كانت أقل تعقيداً، وبما لا يقاس على المشاكل التى تعصر وطننا الآن، والسبيل الوحيد لمواجهتها هو الأخذ بالأسباب العلمية والتقنية التى وضع الغرب الأوروبى والأمريكى أسسها، ومارس بعضها وأثبت نجاحها، لأنها كانت ومازالت قابلة لأن يتم تكييفها لواقعنا كما فعل من سبقونا إلى النمو فى شرق وجنوب شرق آسيا.
ولقد قال مندوب الإخوان فى الرئاسة إنه يضع على مكتبه الآية الكريمة «ومن يتق الله يجعل له مخرجًا»، وأعتقد أن تقوى الله تكون بالاعتقاد السليم وبالعبادات الخالصة وبالمعاملات الطيبة، ولكن ما لا يقل أهمية هو أن نتقى الله سبحانه وتعالى بالأخذ بأسباب القوة، وعلى رأسها إعمال العقل واتباع السبل العلمية والتقنية الحديثة للخروج من دائرة التخلف.