«ليس تاريخ المعرفه الإنسانيه بأوجهها العقليه والحدسيه والتجريبيه إلا تاريخ هذا التأمل الإنسانى فى ذاته.. وليست مخاطراته إلا مخاطرات نظر الصوره فى المرآه.. فمعنى هذا النظر درجه من الإنفصال والثنائيه.. وقدر من العداوه والمحبه معاً.. ولذة إكتشاف الحقيقه وألمه.. فوعى الذات هو نقطة إنطلاق نقد الذات.. الذى هو الخطوه الأولى فى رحلة التقدم «.. بقين عنب للعم « صلاح عبد الصبور» يمكننى بعدهم أن أتأمل بمزاجى مطلقاً لخيالى العنان..
ترى.. ما هى مشاعر ضفدع يجلس على ورقة شجر عريضة وطافية فوق سطح أحد المستنقعات الموحلة ينفخ لُغده بمنتهى الهدوء والأنتخة والرتابة والروتين مطلقاً نقيقُه إلى الأجواء.. هل يشعر ذلك الضفدع بالهدوء والأمان والسلام النفسى أكثر منى ؟!.. طب ماذا عن أحد طحالب المحيط الهادى الذى يمنحنا هو ورفاقه من الطحالب عن طيب خاطر 70% من الأكسجين الذى نتنفسه على كوكبنا الأرضى العزيز.. هل يشعر ذلك الطحلب بأهميته فى منظومة إستمرارنا على قيد الحياه ؟!.. وماذا عن عصفور صغير واقف بين فكى تمساح متوحش ينظف له أسنانه.. ما الذى يجعله مطمئناً إلى أن التمساح لن يطبق فمه الواسع المفتوح عليه أثناء تنظيفه لما بين أسنانه من بقايا الطعام ؟!.. وما الذى يجعل التمساح لا يطبق فكيه على العصفور الواقف بداخل فمه بالفعل.. بينما يتسلل بعدها إلى الشاطئ ويبذل مجهوداً ليهبش بقرة تشرب من رقبتها مجتذباً إياها إلى الماء فى مشهد تراچيدى وسط ذهول التور الواقف على الشاطئ يستعد بعد الإنتهاء من الشرب لإقامة علاقة مع تلك البقرة ؟!.. كيف تعلم تلك الحيوانات التى لا تحتوى أدمغتها على عقل كل تلك المعلومات الاستثنائية والتى لا نعلمها نحن الحيوانات التى تحتوى أدمغتها على عقل ؟!
ربما كانت تلك هى مأساة الإنسان الرئيسيه ولعنته الأزليه والأبديه.. فهو مطالب بالاستمرار فى الإكتشاف والمعرفه طالما استمر على قيد الحياه.. وكلما عرف أكثر.. كلما تأكد من جهله أكثر.. كلما أصبح حزيناً ومنطوياً على نفسه أكثر وأكثر وأكثر.. فجميعنا كبشر محكوم علينا بالإعدام بسبب جرائم لم نرتكبها.. والحياة ليست أكثر من مجرد نفق طويل نقطعه بمنتهى الإخلاص لنصل فى نهايته إلى الموت الذى يجلس منتظراً وصولنا إليه.. والطبيعة ليست أكثر من مجرد مطعم كبير مفتوح تفترس فيه الحيوانات القوية الحيوانات الأضعف.. وتأكل فيه الأسماك الكبيرة الأسماك الأصغر.. وتهاجم فيه الطيور الجارحة الطيور المسالمة.. ولأن الإنسان كائن عاقل إخترع الأخلاق ليمنع غريزته الحيوانية من التفوق على غريزته الإنسانية.. ولأنه كائن أحمق وقذر اخترع الحروب ليسمح لغريزته الحيوانية بالتفوق على غريزته الإنسانية مع الاحتفاظ فى نفس الوقت بكونه كائناً أخلاقياً.. ولأنه كائن جبان سمح لبعض المحتالين بأن يحكمونه ويسوقونه إلى تلك الحروب وينصبون أنفسهم أباطرة وقياصرة ورؤساء وملوك وحكام تصبح جميع حماقاتهم أوامر واجبة النفاذ.. ولأنه كائن رخم قرر إرهاق الموت معه وعدم التوقف عن الإنجاب وملء الكوكب بالأطفال الذين يضاعفون من مهام الموت كل يوم أكثر من اليوم اللى قبله.. ولأنه كائن متناقض استبدل تسمية « الرغبة فى ممارسة الجنس « بتسمية أخرى هى « الحب «.. ولأنه كائن عبقرى استمر فى تجربة الحياه ولم ينقرض حتى يومنا هذا.. بينما لم تستطع الديناصورات بكل تجرمتها ووحشيتها وحجمها الضخم ذلك !
يقول العم « صلاح عبد الصبور «..
« يا صاحبى.. إنى حزين
طلع الصباح.. فما ابتسمت
و لم ينر وجهى الصباح
و خرجت من جوف المدينه أطلب الرزق المتاح
و غمست فى ماء القناعه خبز أيامى الكفاف
و رجعت بعد الظهر فى جيبى قروش
فشربت شاياً فى الطريق
و رتقت نعلي
و لعبت بالنرد الموزع بين كفى والصديق
قل ساعه أو ساعتين
عشره أو عشرتين
و ضحكت من أسطوره حمقاء رددها الصديق
و دموع شحاذ صفيق
و أتى المساء
فى غرفتى دلف المساء
و الحزن يولد فى المساء لأنه حزن ضرير
حزن طويل كالطريق من الجحيم إلى الجحيم
حزن صموت
و الصمت لا يعنى الرضاء بأن أمنية تموت
و بأن أياماً تفوت
و بأن مرفقنا وهن
و بأن ريحاً من عفن
مس الحياه فأصبحت..
وجميع ما فيها مقيت «..