فى شارع المنيل وفى عز الظهر وعلى مرأى ومسمع من الجميع فوجئت بموتوسيكل يستقلّه ثلاثة وينزعون من يدى بعنف جهاز «الآى باد».. مرت لحظة صمت من هول المفاجأة، وفى ثوانٍ استوعبت، حاولت أن أطاردهم وصرخت ولم يساعدنى أحد كانوا قد نجحوا فى تنفيذ خطتهم التى من الواضح أنهم يمارسونها وكأنهم يحتسون كوب الشاى، لأن الموتوسيكل يستطيع أن يتسلل بين العربات ولن يلحقه أحد. اكتشفت فى ما بعد أن هذا المشهد صار ثابتا ومتكررا فى ربوع من نطلق عليها المحروسة. إنه السطو بالإكراه الذى يتم فى ظل غياب الشرطة وتوقُّف اللجان الشعبية عن المساعدة التى كانت هى الطابع المميِّز للشارع المصرى بعد الثورة، من الواضح أن كل المكبوت من العنف قد وجد طريقه الآن، لأن الفوضى تنجب تنويعات من الفوضى، لقد علمتُ من أمين الشرطة الذى حرر الواقعة أنه يوميا يتلقى بلاغات فى حوادث مماثلة لأشقياء يمارسون السطو على كل شىء من كاوتش عربة إلى موبايل أو «آى باد»، والقسط الأكبر منهم ليسوا مسجلى خطر أى أنهم عناصر إجرامية جديدة مما يجعل مسؤولية الشرطة أكبر والإمساك بهم أقرب إلى المستحيل، خصوصا أننا لا نحتفظ عادة برقم الجهاز الذى من الممكن تتبعه، وإلقاء القبض على من وصل إليه حتى لو لم يكن هو السارق.
هل تستطيع الشرطة المصرية أن تؤدى وظيفتها وهى منكسرة، اختيار انطلاق الثورة 25 يناير تحديدا كان رسالة مقصودة فهو عيد الشرطة والاحتفال بالثورة فى هذا اليوم رسالة واضحة لا تحتمل الشك، تؤكد أن الناس قررت أن تمحو للأبد زهوة الشرطة رغم الأهمية التاريخية لاختيار هذا اليوم والذى كان تخليدا لذكرى موقعة الإسماعيلية التى راح ضحيتها خمسون شهيدا وثمانون جريحا من رجال الشرطة المصرية على يد الاحتلال الإنجليزى فى 25 يناير، بعد أن رفض رجال الشرطة تسليم سلاحهم وإخلاء مبنى المحافظة للاحتلال الإنجليزى.
الجراح أراها غائرة، وربما الشرطة فى جزء منها ترى أن المصريين الذين تمردوا على الشرطة يستحقون ما حاق بهم من انفلات ليدفع رجل الشارع الثمن.
لم تكن المرة الأولى التى أتعرض فيها للسرقة، ولكنها الأولى التى أرى فيها السطو بالإكراه، لقد قال بعض المارة بعدها إنه من حسن حظى أننى لم أتشبث بجهاز «الآى باد» وإلا كان تم سحلى فى أثناء التنفيذ وبعدها سيحصلون أيضا على الجهاز.
البعض يعتبر أن مثل هذه التصرفات الصغيرة لا يمكن أن تعبر عن طبيعة المصريين، وهذا حقيقى، ولكن تكرارها يشير إلى أن تلك الرغبة كانت كامنة تتحين الفرصة ووجدت أخيرا فرصة للتنفيس. أتذكر قبل أربع سنوات أن تعرضت لحادثة سرقة فى مهرجان «كان» وتم السطو على جهازَى الموبايل واحد مصرى والثانى فرنسى، وهكذا وجدت نفسى معزولا وكل وسائل الاتصال مستحيلة، ورغم ذلك قاومت فى لحظات وأكملت رحلتى وتابعت الأفلام وأرسلت مقالاتى إلى جريدة «الدستور»، حيث كنت أنشر يوميا مقالين، الثانى فى الصفحة الأخيرة.
السرقة فى فرنسا اعتمدت على خفة يد، كنت فى إحدى المكتبات أتابع بعض صفحات فى جريدة واضعا أمامى ما أحمله من كتب وتليفونات فامتدت يد مدربة واستحوذت عليهما، وتعاملتُ مع واقعى الجديد، وأنجزت واجبى فى المشاهدة والقراءة والكتابة.
الصحفى صار بينه وبين «الآى باد» علاقة خاصة ولا يمكن الاستغناء عنه، لم تعد هناك ملفات إلا على الجهاز بعد أن انتهت فى السنوات الأخيرة علاقتى بالتسجيل على الأوراق.
من حسن الحظ أن أغلب مقالاتى أحتفظ بها على جهاز «لابتوب» وصرت أخشى أن أمشى فى الشارع إلا وأنا أحتضن اللاب كما أنك ينبغى أن تسير فى شارع اتجاهين وتختار الاتجاه الذى يتيح لك أن ترى كل القادمين رغم أن الضربة قد تأتى إليك من موتوسيكل يسير عكس الاتجاه. الإحساس بالخوف هو الذى يسيطر على كل من تعرض للسرقة ولكن علينا أن لا نستسلم، بعد الواقعة مباشرة وجدت فكهانيا يحدثنى عن وصول فاكهتى المفضلة «النبق» ولم أردّ حتى على ندائه، ولكنى رجعت إليه بعد دقائق معدودة لكى أشتريه فلقد سرقوا «الآى باد»، ولكنهم لن يسرقوا حبى للنبق، نعم صرت أحتضن المحمول و«اللابتوب» بيدٍ وأتناول بالأخرى حبات النبق.