«١»
لا مانع لدى أمريكا أن تتحالف مع رجل يعتقد اعتقادا إيمانيا أن اليهود أحفاد قردة وخنازير، ويعتقد اعتقادا إيمانيا أن علينا أن نربِّى أبناءنا على كُرههم. يعتقد هذا ويمارسه. ومن موقعه كرئيس جمهورية يحتاج إلى حلفاء داخليين كلهم يستخدمون نفس الخطاب. فاعتقاده ليس مقصورا عليه ولا محدودا به، بل تقوِّيه سلطة.
وحين وُوجه بما قال صوتًا وصورة، لم يجد ردًّا سوى «لقد أُخرج الموضوع من سياقه».
نفس أمريكا هذه سحبت جائزة الشجاعة من امرأة مصرية شابة، تعرضت لانتهاكات على يد المؤسسة العسكرية والإخوان كليهما، فى عملية مشتركة قذرة أيام كان الوفاق بين الاثنين عنوان العلاقة. لكن هذه الفتاة رفضت أن تنكسر عينها لمجرد أنها فتاة. وأصرت على ملاحقة المؤسسة قضائيا، وأجبرتها على الاعتراف بحدوث كشوف العذرية، على لسان وزير الدفاع الحالى، لا أقل. وأخذت من القضاء الإدارى حكما يمنع من تكرار نفس الممارسة. وشجّعت أخريات على الإبلاغ عما حدث لهن. هنا لا ينبغى الخلط بين تبرئة شخص بعينه، لعدم توافر أدلة كافية لإدانته، وبين حدوث واقعة كشف العذرية التى لم يستطيعوا إنكارها.
فى ظروف مجتمع كالمجتمع المصرى. وبغضّ النظر عن موقفك السياسى. لا تملكين إلا أن تعترفى بشجاعة سميرة إبراهيم، ولا تحقّرى من حجم التحدى الذى كان يواجهها.
«٢»
لكن شجاعة المواجهة لها وجوه كثيرة. ومن الناس من يستطيعون أن يواجهوا «الخصوم» بسهولة، لكنهم لا يجيدون مواجهة الأصدقاء، ومواجهة السائد. والحاصل فى مصر أن الدخول فى المعترك السياسى صار له «ديفولت» (تظبيطات المصنع الأصلية قبل أن يظبطها المشترون على ذوقهم). والديفولت هنا أن تؤيدى كل ما يسمَّى عملية «مقاومة». دون أن تلتفتى إلى مدى أحقية أن تكون عملية ما «مقاومة» أم لا. كتفجير أوتوبيس يحمل يهودا فى دولة أوروبية أو فى أمريكا اللاتينية، أو، أو. فتنساقين خلف موجة التهليل لفعل قتل، لأناس مثلك، ولا تنتبه الإنسانة إلى التناقض بين كونها مدافعة عن حقوق الإنسان، عن حقوق نفسها، وبين كونها مستهترة بحقوق الآخرين، مهما كانت درجة الخلاف معهم، وأولها حقهم فى الحياة.
«٣»
لقد واجه الازدواجان بعضهما فى حفل وزارة الخارجية الأمريكية لتقديم جائزة الشجاعة. الخارجية الأمريكية التى تقف خلف رئيس كاره لليهود ومعادٍ للسامية، كبر على ذلك، ولجماعته أدبيات فى معاداة السامية، وله تنظيم يحضّ على كراهية اليهود، هذه الخارجية نفسها سحبت جائزة الشجاعة من إنسانة، فَرْد، فى بداية حياتها السياسية، وليس لها تأثير كبير فى من حولها. حتى وقد اعتذرت كما قيل فى البيان، وقد تعللت -صادقة أو غير ذلك- بأن أحدا قد سرق حسابها. أى تنصّلت من تصريحاتها السابقة.
«٤»
وحسنا فعلت سميرة بالتنصل من أى تصريحات فيها كراهية لليهود أو حض على القتل. لأن هذا تصرف لا إنسانى. ينقص من صدقية المدافعة عن حقوق الإنسان. حتى لو كان كل من حولها يتباهون بتصريحات كتلك. فتلك بطولات رخيصة. ولقد رأينا بأعيننا الجماعة التى اقتاتت على نشر هذه الكراهية، وكيف أنها بمجرد الوصول إلى السلطة انسحقت وركعت. هكذا كل فنجرية البُقّ فى العالم.
لكنها للأسف عادت وادعت أن الجائزة سُحبت منها لأنها وقفت أمام اللوبى الصهيونى.. إزاى إن شاء الله!! عملتى إيه يعنى للوبى الصهيونى!!
يا سميرة أنت فعلا إنسانة شجاعة، فعلتِ ما نَجْبُن عنه. أريد أن أقول إنك لا تحتاجين إلى بطولات رخيصة كتلك الملقاة على الأرصفة بتلاتة تعريفة الواحدة. وكان أدعى للشجاعة أن تعترفى بالخطأ، وأن تتفهمى أن الإنسانة التى تخرج إلى المجال العام يجب أن تفكر فى كلامها قبل أن تقوله. لا خوفا من اليهود ولا من أمريكا ولا من إسرائيل، ولا حرصا على مكسب من أى من تلك الجهات. إنما، فى المقام الأول والأخير، احتراما لنفسك ولقناعاتك. احتراما لكرامة الإنسان، أى إنسان. تمجيد قتل الأبرياء ليس بطولة، بل عار. تمجيد قتل الأبرياء ليس شجاعة. بل خطأ. أما الاعتراف بالخطأ، فهو الشجاعة.
لقد نافستِ الخارجية الأمريكية فى ازدواجيتها. فهزمَتْكِ مرتين!! الساسة المخضرمون يا شابة أبطال العالم فى الازدواجية، إنما لهم سلطة تحمى ازدواجيتهم. فلا تصيرى مثلهم.