يبدو أن لا حدود للتخريف التخريبى الذى تخرج به علينا الست «جماعة الشر» السرية وحلفاؤها ودلاديلها التعبانين فى عقولهم وضمائرهم، يوميًّا وأحيانًا كل نصف ساعة.
أحدث هذه التخاريف الإجرامية بدأ نهاية الأسبوع الماضى بتصريح مفرط فى الشذوذ الفاشى أطلقه أحد القادة البارزين فى واحدة من تلك الجماعات التى تضم إرهابيين وقتلة متقاعدين «صارت أحزابًا تتمتع بتراخيص رسمية بالمخالفة للقانون المصرى وسائر قوانين الدنيا»، فقد دعا الرجل علنًا إلى تنظيم وتأسيس ميليشيات وتشكيلات عصاباتية تنتشر فى الشوارع، لكى تتولّى أمر المواطنين المصريين المحتجّين وتقمعهم و«ترميهم من فوق الكبارى».. هكذا قال الأخ القاتل المتقاعد، حرفيًّا!
ضحكنا كثيرًا من هذه الدعوة المخبولة، وظننا أنها مجرد «طق حنك» غير مسؤول صادر عن إرهابى قديم وعجوز لا يفقه شيئًا فى معنى الأوطان ويضيق عقله المظلم عن إدراك الفرق بين دولة القانون ودولة «المافيات» وعصابات الجريمة المتناحرة، لكن لم تمض سوى ساعات قليلة حتى أطلّت علينا الست وزارة «عدل» جناب المستشار أحمد مكى بنبأ يكشف عزم الوزارة على طبخ وإعداد مشروع قانون يخترع «بزنسًا» جديدًا هو «التجارة فى القمع»، إذ يسمح بتأسيس «دكاكين» وشركات أمن قطاع خاص، يتمتع العاملون فيها بسلطة «الضبطية القضائية»، ومن ثَم تقوم هذه الدكاكين بمهمة القبض على الناس و«قفشهم» ونقلهم مقيدين مخفورين إلى مغارة الست «الجماعة» التى بدورها تتولّى تعذيبهم وتسويتهم على الجنبين، قبل أن تقتلهم أو تحشرهم فى زنازين معتقل المغول!
عند هذا الحد لم نضحك وإنما انفغرت وانفشخت أشداقنا على اتساعها من فرط الدهشة والذهول، غير أننا قبل أن نفيق من صدمة نبأ مشروع قانون «الدكاكين الأمنية» عاجلنا السيد المستشار «النائب الملاكى العام»، أول من أمس، ببيان رسمى «أحسبه تحفة فنية قانونية فنشكونية نادرة جدًّا»، تضمن دعوة متحمسة وصريحة لكل عابر سبيل أن «يقفش» ويعتقل ويمرمط الأرض بمن يشاء من خلق الله سكان هذا البلد المنكوب!
ومع ذلك، فأنا أكتب هذه السطور الآن، وقد هدأ روعى وتبدّد خوفى وفزعى من هذه المساخر الخرافية الإجرامية، فبعدما تأمّلت عميقًا وبعقل بارد فى الموضوع كله على بعضه، اكتشفت أن تلك التخاريف التخريبية ليست كلها شرورًا وكوارث، بل هى لا تخلو من ميزات وفوائد جمة فعلًا، منها مثلًا تنشيط صناعة السياحة العطلانة وتشجيع السواح الخواجات على زيارة خرابتنا الوطنية الراهنة للاستمتاع بمنتج ترفيهى مبتكر، لم يسبقنا إليه أحد فى هذه الدنيا الواسعة، ألا وهو الفرجة على خيبتنا القوية ومتابعة نمر وفقرات مهرجانات «القفش والاعتقال والاحتراب الأهلى» فى الشوارع بين عصابات البلد وأحزابه وطبقاته المختلفة.
غير أن اختراع «سياحة القفش الوطنى المتبادل» على عبقريته ولمعانه وأهميته الاقتصادية القصوى ربما يتواضع ويتوارى خجلًا وكسوفًا أمام ميزة أخرى يوفّرها مشروع «القمع والتنكيل الشعبيين»، ألا وهى إشاعة ونشر هواية «تقفيش» المواطنين رجالًا ونساءً بعضهم فى بعض، وإحلالها كبديل آمن محل ثقافة «التحرش» الجنسى الجماعى بالنساء فقط!
الله يخرب بيوتكم..