توقع الكثير من صناع الدراما، أن تشهد الفترة الحالية والمقبلة إنتاج العديد من المسلسلات الدينية والتاريخية، بل وصل الأمر إلى أن كثيرا منهم، توقع أن يقتصر الإنتاج على هذه النوعية من الأعمال، بعد وصول التيارات الدينية للحكم، إلا أن القيادة السياسية الجديدة المتمثلة فى الإخوان المسلمين، تخلت عن المسلسل الدينى وأجهضوا عددا من المشاريع كان آخرها مسلسل «أسماء بنت أبى بكر» بأوامر سيادية، بعد أن ظلت الفنانة صابرين تحلم بخروجه للنور، وخاطبت الرئيس مرسى شخصيا فى هذا.
وللأسف لا يوجد فى خارطة الطريق الدرامية سوى مسلسل دينى وحيد بعنوان «خيبر» تأليف الكاتب يسرى الجندى، وإخراج محمد عزيزية، وإنتاج شركة قطرية «إيكوميديا»، ويتناول تاريخ اليهود وجلاءهم عن الجزيرة العربية، ولم يفكر الإخوان فى إنتاج عمل دينى يظهر سماحة الإسلام، وصورته الوسطية الصحيحة، أو يتناول سيرة من سير أحد الصحابة أو التابعين، ولكنهم حاولوا إنتاج مسلسل عن رمز من رموزهم هى «زينب الغزالى»، التى كانت تجسد شخصيتها رانيا محمود ياسين، لكن المسلسل تعثر بسبب سوء النية المتمثلة فى تشويه صورة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وظهوره بصورة الجلاد، فانسحب عدد من الممثلين المشاركين فى المسلسل عندما علموا بسوء النية وتحاول الجماعة حاليا إخراج مسلسلات عن سيد قطب، والشيخ كشك، وبداية حركة جماعة الإخوان.
حول أسباب اختفاء المسلسلات الدينية وندرتها، وتخلى الدولة عن دعمها، وتعنت الأزهر الشريف، وإصراره على رفض تجسيد الصحابة والخلفاء الراشدين فى الوقت الذى تنتج السعودية وقطر وإيران أعمالا دينية عن الصحابة والأنبياء والرسل.. كان هذا التحقيق.
فى البداية يؤكد الكاتب محمد السيد عيد، أن أسباب اختفاء المسلسل الدينى مادية، حيث لا توجد ميزانيات حاليا، وكل قطاعات الإنتاج بالدولة غاية ما تقوم به الآن هو إنهاء المسسلات المتبقية من العام الماضى، والتى لم يستطيعوا الانتهاء منها، بسبب عدم وجود سيولة مالية، بالإضافة لتخلى المنتج الخاص عن الأعمال الدينية.
وأوضح محمد السيد عيد، أن تكلفة مسلسل عمر العام الماضى تجاوزت الـ300 مليون جنيه، ولم يحقق المسلسل ربع هذا الرقم، ونال شهرته فقط من كونه أول عمل يظهر فيه عمر بن الخطاب، رغم معارضة الأزهر، وهذا الأمر لابد أن يراجع من قبل الأزهر فما يمنع فى مصر، نراه على الشاشات العربية والعالمية، فقد منع الأزهر «آل البيت» فرأيناهم فى «الحسن والحسين»، ومنع الأزهر الرسل والأنبياء، فرأيناهم فى مسلسل «يوسف الإيرانى».
وأبدى عيد تخوفه من خروج مسلسلات دينية تحمل وجهة النظر الإخوانية فى التاريخ فتجعل رموزها أبطالا على حساب الآخرين، وأن يتم تشويه التاريخ لصالحهم مثلما حدث فى مسلسل «زينب الغزالى» الذى شوه تاريخ الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.
الناقد الفنى طارق الشناوى يرى أن مشكلة المسلسل الدينى فى السنوات العشر الأخيرة تكمن فى هبوط وانحدار مستواه الفنى، فبعد مسلسل الشعراوى لم نجد مسلسلا مصريا على نفس المستوى، وللأسف من يتصدى لتقديم الأعمال الدينية فى الكتابة والتمثيل والإخراج جميعهم «فرز ثانى»، بالإضافة لتعنت الأزهر، وإصراره على قواعد تجاوزها الزمن، فالسعودية لم تعترض، وأنتجت مسلسل «عمر» عن الخلفاء الراشدين، وظهر بالمسلسل عمر وأبو بكر وعثمان وعلى، وأكد الشناوى أن الدولة الإخوانية بمفرداتها، لو رغبت فى دعم المسلسلات فسوف تنتج مسلسلات على هواها، تؤرخ لتاريخها مثلما كانوا يريدون إنتاج مسلسلا عن «زينب الغزالى»، ولكنهم وقعوا فى أخطاء كثيرة، لأنهم خارج اللعبة، ولكن عدم وجود مسلسل دينى هذا العام يعتبر كارثة حقيقية، وحربا غير معلنة لمنع أى عمل دينى، وإلهاء الناس بالمسلسلات الدرامية والكوميدية، وأرجع الشناوى اختفاء المسلسل الدينى أيضا إلى عدم وجود سيناريوهات جيدة فالكتاب أحجموا عن كتابة هذه النوعية من المسلسلات، لأنها متعبة جدا، وتحتاج لجهد كبير فى التوثيق ووصف الملابس والحقبة الزمنية وغيرها، وأنهى الشناوى كلامه قائلا: إذا لم يتحررالأزهر فعلى الدراما الدينية السلام.
وحول عدم تحقيق المسلسلات الدينية لجذب إعلانى، يقول الفنان أيمن زيدان: المنتج الجيد يفرض نفسه، ومقولة أن الأعمال الدينية لا تحقق نسبة مشاهدة عالية اعتقاد خاطئ، بدليل أن المسلسلات الدينية المصرية القديمة، كنا جميعا ننتظرها ونجلس أمامها مثل «لا إله إلا الله.. محمد رسول الله»، فقد حقق نجاحاً كبيراً، نظرا لأن مواعيد عرضه كانت مناسبة، ونفس الحال فى مسلسل «إمام الدعاة الشيخ الشعراوى». الفنان محمد رياض يرى أن الدولة عليها دور كبير فى ذلك الأمر، ويجب عليها أن تهتم بنشر الثقافة وتقديم الرموز، سواء السياسية أو الدينية أو الاجتماعية أو العلمية، برغم أنه لا يوجد أدنى اهتمام بهذه الرموز التى يعتبرها قدوة لإصلاح ما أفسده المجتمع، والدليل ما يحدث فى عدد من الدول العربية، حيث تهتم بالمسلسلات الدينية والتاريخية وتخصص لها ميزانيات تفوق ميزانيات المسلسلات الدرامية ثلاثة أو أربعة أضعاف.
ويؤكد الفنان أحمد ماهر: أن سبب تراجع بل اختفاء المسلسلات الدينية يرجع إلى الجشع، والبحث عن المادة الذى وصل إليه المسؤولون فى كل مكان، وخاصة فى القنوات التليفزيونية التى تبحث عن المسلسلات التى تحتوى على مشاهد الرقص والأغانى والمخدرات، لتحقيق نسب مشاهدة عالية، وبالتالى زيادة نسبة الإعلانات.
وأرجع الكاتب الكبير مصطفى محرّم ندرة الأعمال الدينية بشكل عام إلى الإجراءات المشددة التى يواجهها المؤلفون والمنتجون فى إجازتها، حيث يبحثون عن مئات التوقيعات لإجازة تصوير المسلسل، وهو ما يتسبب فى يأسهم، لأن العمل فى النهاية قد لا يظهر إلى النور، من جهته قال المنتج محمد فوزى إن الدراما الدينية حتى تخرج إلى النور فى إطار جذاب ومحترم، وليس فى شكل نصح وإرشاد غير مقبول، لابد من تكاليف إنتاجية باهظة بشكل كبير، بالإضافة إلى أن القنوات الفضائية كثيراً ما تعزف عن شرائها، لأن حجم الإعلانات عليها يكون قليلاً للغاية، ولذلك يتراجع المنتجين عنها لأنها لا تحقق لهم أى أرباح، كما أن بعض الفنانين يبتعدون عنها لأنها تحتاج مجهود غير طبيعى، حيث تتطلب بعضها التفرغ لتصويرها وحدها نظرًا للتحضيرات الخاصة بشأن الملابس واللغة وغيرها.
لمعلوماتك:
• آخر مسلسل دينى قدمه التليفزيون المصرى، من إنتاج قطاع الإنتاج هو مسلسل "الإمام الغزالى"، ورصد له التليفزيون 20 مليون جنيه لتنفيذه، فى حين تكلف مسلسل "عمر بن الخطاب" الذى أثار جدلا قبل وأثناء عرضه 300 مليون جنيه، وعرض حصريا على قناة إم بي سي خلال شهر رمضان الماضى.