هذه جماعة متآمرة.
وهذا كائن قاطن فى قصر الرئاسة لا ينظر إلى البلد إلا بعين المؤامرة.
وهؤلاء قيادات إخوان احترفوا الكذب والغدر والتآمر فلا يفسرون شيئًا إلا بنظرية المؤامرة.
عاش مرسى وإخوانه وإرشاده يتآمرون فى سراديب الجماعة على حكم البلد وعلى الثورة وعلى العالم كله. لهذا لا يفهم مرسى وإخوانه وإرشاده أى شىء يحدث أمامهم إلا بما عرفوه وتعلموه ومارسوه واحترفوه وعاشوا عليه طول عمرهم وهو المؤامرة.
لهذا مرسى يفشل فى إدارة شؤون البلاد، والأخطر من أنه يفشل أنه لا يفهم أنه يفشل، لأن الإخوان من كثرة كذبهم، وهم يعانون أحيانا من الكذب اللا إرادى، أصبحوا يكذبون حتى على أنفسهم، وباتت كل حمولة الإخوان العقلية -وهى محدودة جدًّا- لا تجد تفسيرا للفوضى الكارثية التى تعانيها البلاد إلا أنها مؤامرة.
بعضهم الفارغ يدّعى أنها من أعداء الثورة، والحقيقة المؤكدة أن أشد أعداء الثورة هم الإخوان وأتباعهم.
وبعضهم الأكثر فراغًا يزعم أن المؤامرة من جبهة الإنقاذ.
وهكذا فإن قصورهم الذهنى وكذبهم المفرط يجعلهم يتصورن أن هذا الهراء سوف ينطلى على أحد. فالمدينة الباسلة بورسعيد فاجأت كل التيارات فى مصر بعصيانها المدنى وتصميمها وعزيمتها المذهلة وخيالها البديع، ولم يكن لأى فصيل سياسى دور على الإطلاق فى انتفاضة بورسعيد، ولا أمكن لأى تنظيم أو فصيل أن يشكل وجودا بارزا فى المشهد البورسعيدى.
لكن الإخوان المصابين بالعمى والرئاسة العاجزة عن فهم شعبها لا تريد أن تدرك العوامل الحقيقية التى فجّرت غضب بورسعيد، وتأبى أن تفهم أن السبب هو الغضب من الظلم، والثورة من أجل شهداء المدينة الذين سقطوا برصاص وسياسة وزير الداخلية الخادمة للإخوان، ثم أسهم فى تأجيج الغضب فشل مرسى المدقع فى التصرف والمستوى الوضيع سياسيًّا لحكومته، والانهيار الكامل لشعبية جماعة الإخوان.
وها هو عصيان الشرطة الذى امتدّ وتنامى فى جغرافيا مصر كلها، فلا ينتبه مرسى وإخوانه إلى السبب أو الأسباب الحقيقية التى، للمفارقة، شرَحَها وأعلنها هؤلاء الضباط وأمناء وأفراد الشرطة، بل ورفعوها شعارات وأطلقوها هتافات من الحناجر وفصّلوها تفسيرًا فى برامج التليفزيون، وكلها حول رفضهم أن يتحولوا إلى قبضة للإخوان فى مواجهة الشعب، وطلبهم إقالة وزيرهم المستسلم للجماعة والمسلِّم نفسه للإخوان، ومطالب أخرى شديدة الوضوح والنصاعة، إذا بالإخوان الفَشَلة العَجَزة ومؤسسة الرئاسة بالفهم الباكينامى للحياة يروّجون نظرية المؤامرة سببًا لعصيان الداخلية ويرمون بالمسؤولية على جبهة الإنقاذ والمعارضة، كأن بعد العمر ده كله نجحت المعارضة فى اختراق الداخلية وتسييرها كما تهوى، وكأن جبهة الإنقاذ تعطى أوامر لرجال الشرطة فى كل مكان فى البلد.
أليس هذا قمة العَمَى؟
ثم هناك آلاف الوقائع اليومية فى مصر من قَطْع الطرق وتعطيل السكك الحديدية وحصار المصالح الحكومية واقتحام مبانى المحافظات وكل مظاهر الانفجار الشعبى، سببها اقتصادىٌّ سياسىٌّ تامٌّ، فالناس وصلت إلى درجة من الإحباط الشنيع من فشل مرسى البَيِّن وعجز حكومته عن إنجاز أى شىء لهذا الشعب المتعوس بحكم الإخوان.
ليسأل مرسى نفسه وإخوانه هل يجرؤ أحدهم الآن على السير فى شوارع دائرته ومصافحة الناس والحديث معهم ومواجهة شباب الدائرة إلا مصحوبا بحراسة ومجموعات من الإخوان تؤمِّنه من الغضب وتحرسه من الاعتداء.
هل هذه أيضًا مؤامرة «الإنقاذ» على الإخوان، أم أن الإخوان من مرضهم بالمؤامرة تآمروا على أنفسهم؟!