ما يحدث فى مصر الآن هو معادلة ناقصة.. النظام، الذى أتى بعد الثورة، أثبت أنه نظام عنصرى مئة فى المئة، يقسم المجتمع كله إلى قسمين غير متساويين.. جماعة الإخوان المسلمين، بتعدادها، الذى لا يبلغ المليون، على الرغم من حديث بعض قياداتها عن استعدادهم تقديم مليون شهيد!
وباقى الشعب المصرى كله، بتعداده الذى يزيد على خمسة وثمانين مليونًا.. والنظام يرى أن القسم الذى يستحق الحياة، ويستحق كل موارد وخيرات الدولة، هو ذلك الخاص بالجماعة، أما باقى الشعب، فيتم تقسيمه عنصريًّا أيضًا إلى قسمين كبيرين.. المؤيّد للجماعة، والذى يمكن النظر إليه بعين العطف، باعتباره عبدًا، إنما خلق ليعمل على خدمة أهداف الجماعة، حتى وإن لم يدرك هذا، ووجوده يرتبط فقط برضا الجماعة عنه، أو سلبيته وعدم معارضته لها، كشيمة أى عبد ذليل، ليس له سوى أن يسمع ويؤمر فيطيع.. والمعارض للجماعة، والذى لا يستحق ذرة من العطف -عنصرى أيضًا- ولا ضير من قهره، وسحله، وتعذيبه..
وحتى قتله، إذا ما استلزم الأمر، ما دامت معارضته لا تخدم أهداف الجماعة.. وحتى عندما يتحدّث قادة الجماعة فى غضب «وهم دومًا غاضبين»، وحتى عندما يستنكرون انخفاض شعبيتهم «التى تبدو واضحة للأعمى والأخرص والمختل»، فإن محاولتهم الإنكار والاستنكار، تأتى مؤيّدة للأمر، وإن كرهوا ذلك.. وعندما يخرج أحد قادة مكتب الإرشاد، مستنكرًا انخفاض الشعبية، ومضيفًا إلى هذا أن الجماعة لديها خمسة ملايين مقاتل، فهو بالنصف الثانى ينفى تمامًا النصف الأوّل، إذ كيف يتحدّث عن الشعبية، ويتحدّث عن مقاتلين، مهمتهم فرض الأمر الواقع بالقوة؟!
الحديث عن وجود مقاتلين هو نفى قاطع لوجود الشعبية، بدليل أن وسيلة البقاء لم تعد تأييد الشعب، وإنما هى القوة! ولأن الجماعة تفكّر وتتصرّف من منطلق التشبّث بآخر خيط للبقاء، مهما كان ثمن هذا، ولأنها تواجه رفضًا شعبيًّا، يتصاعد فى كل يوم.. ولأنها تمر بالمرحلة الثانية من مراحل الإخفاق، كما وصفها كيبلر روس، وهى الغضب، فهى تعود إلى ما عاشت به لعقود، ألا وهو التآمر.. وكما كان الحال منذ عقود، فالعقبة الكؤود أمام مؤامرتها هى القوة.. فكل ما تملكه الجماعة، على الرغم من وجودها فى السلطة، هو عصابات وميليشيات مسلحة، تدرك هى قبل غيرها أنها قادرة على إحداث بعض الفوضى والعمليات الإرهابية، ولكنها عاجزة عن مواجهة قوة موازية، لديها قدرة احترافية، على التنظيم والتخطيط ووضع الاستراتيجيات، وتنفيذها على نحو أكثر إتقانًا.. وهذا هو سر غضبهم من الجيش، الذى يشنون عليه حربًا إلكترونية، عبر شبكات الإنترنت، آملين فى أن يعيدوا تكرار ما نفّذوه أيام المجلس العسكرى! ولكن العقبة الكبرى، هى أن الشعب هذه المرة يريد الجيش!
وأى مؤامرة فى الدنيا لا بد لها من عامل محفّز، وإلا فلن يكتب لها النجاح.. والعامل المحفّز سابقًا، أيام المجلس العسكرى، كان أن النظام السابق هو مَن أتى بالمجلس العسكرى، أما الآن فالوضع يختلف.. ليس أمامهم إذن سوى أن يضعوا الجيش فى مواجهة الشعب، ويرسلوا مَن يشعل تلك المواجهة، بقتل بعض المتظاهرين، ونسب هذا إلى الجيش، على أمل أن يثير هذا الشعب ضد الجيش، فينقلب الحال لصالحهم، ويضعف موقف الجيش شعبيًّا، فتقوى شوكتهم هم.. ولكن كل مؤامرة فى الوجود هى سلاح ذو حدّين، وكما أنه من المحتمل أن تنجح، فمن المحتمل أيضًا أن تنكشف.. ولهذا بقية.