منذ أكثر من عشرة أشهر كتبت مقالا عن عودة «الداخلية»، أوْضح ما فيه أننى بدأت المقال ب «هذه المرة العاشرة التى أكتب فيها مطالبا بحملة لعودة الشرطة، كما ينبغى وكما نحلم جميعا»، عشر مرات قبل هذا التاريخ ومثلها بعده، ولا حياة لمن تنادى، حتى وصلت الأمور إلى ما هى عليه الآن، فكرت أن أعيد نشر المقالات كلها من جديد، لكننى اخترت واحدا كاختبار لنيات الجميع، ربما إذا التفت أحد إلى الأفكار المطروحة فى هذا المقال اهتم بالبحث عن بقية السلسلة.
«هذه هى المرة العاشرة التى أكتب فيها مطالبا بحملة لعودة الشرطة، كما ينبغى، وكما نحلم جميعا، لن أكرر ما سبق وأن طرحته من أفكار ودعوات ورسائل كانت تحظى بدعم نظرى هائل ومحاولات بائسة للتطبيق العملى، ولكن يشجعنى ما لمسته من قبل لدى قراء عاديين وإعلاميين ورجال شرطة محترمين (أخص بالذكر شباب الشرطة) على إعادة توجيه الدعوة كل فترة دون أن أشعر باليأس مطلقا.
يعلم الجميع أن عودة الشرطة ليست نابعة بالكامل من قرارات فوقية يصدرها الوزير أو حتى رئيس الوزراء، عودة الشرطة بشكل طبيعى قرار يصدره الشعب ورجال الشرطة الموجودون على أرض الشارع معا، والطرفان لديهما استعداد كامل ورغبة حقيقية فى أن يحدث هذا، ولكن الأمر معلق ويحتاج إلى هزة قوية.
الشعب يحتاج إلى ضمانات لعدم عودة الممارسات القبيحة لبعض من أصابهم الزى الميرى بلوثة الاستبداد والظلم والقهر والفساد، وشرفاء رجال الشرطة يخشون من أن يدفعوا هم ثمن هذا الموروث القبيح، ومن حقهم أن يخافوا على هيبتهم، وهى الجزء الأهم فى متطلبات مهنتهم.
إذن المطلوب منا جميعا أن ندعم أمرين.. كرامة المواطن وهيبة رجل الشرطة.
ما أحلم به أن تكون عودة الشرطة والأمن مهمة قومية ومشروعا يعمل الجميع على إنجاحه، كلٌّ بطريقته ومن موقعه.
الفكرة أن نخصص، ولو أسبوعا، إن لم يكن أكثر، بفاعليات حقيقية تضمن عودة الوفاق بين رجل الشارع ورجل الشرطة أولا، يشارك فى إنجاحه الإعلام والنشطاء ومرشحو رئاسة الجمهورية، أسبوع يحمل عنوانا واضحا، وليكن (أسبوع عودة الأمن) وتندرج تحت هذا العنوان أفكار كثيرة...
حملات التليفزيون المصرى التى استهلكت مليارات فى «محاربة الختان وإنفلونزا الطيور والخنازير والقراءة للجميع ولازم تدى صوتك وابنى بيتك.. إلخ»، آن الأوان أن تلعب دورا مفيدا فى حملات تشرح للمواطن حقوقه حتى يتمسك بها وتلفت نظره بقوة إلى خطورة خرْقه للشكل الذى يجب أن تكون عليه علاقته برجل الشرطة، حملات يمكن أن يشارك فى إعدادها وتنفيذها مئات المبدعين وعلماء الاجتماع والأطباء النفسيين والحقوقيين، وأضف إليهم شخصيات عامة لها رصيد وقبول لدى الناس يمكن الاعتماد عليها فى توصيل هذه الرسائل.
البرامج الحوارية نفسها عليها أن تقيم معسكر عمل يتم من خلاله استضافة رجال الشرطة والمواطنين معا، برامج تجرى مكاشفة وتصفية حسابات ومصالحة على الهواء فى الوقت نفسه. هناك من المواطنين من يمتلك وجهات نظر واقعية وملتصقة بالشارع أكثر من التى يمتلكها الضيوف المكررون فى البرامج من نشطاء سياسة أو حقوق إنسان أو غيرهم ممن لا يحتكون يوميا وبشكل مباشر بالشرطة إلا من خلال الشكاوى التى تصل إليهم أو من خلال متابعات الصحف. علينا أن نسمع شكاوى المواطنين فى هذا الصدد، وأن يستمع إليها معنا على الهواء رجال الشرطة، الشكوى المتبادلة المكشوفة ستقصر الطريق.
مؤتمرات فى المناطق الشعبية وهذه مسؤولية كل مرشحى منصب رئاسة الجمهورية، فكل واحد منهم لديه رصيد ما لدى الناس، وعندما يتولى مهمة من هذا النوع سيفيد البلد أكثر من زياراته المتكررة لبرامج التوك شو. أتخيل مثلا حازم أبو إسماعيل أو العوا أو حمدين صباحى أو عمرو موسى (مع حفظ الألقاب) يعقد مؤتمرات تحت عنوان أسبوع عودة الأمن فى المناطق الشعبية، خصوصا التى تبدو العلاقة فيها ملتهبة بين المواطن والشرطة، مؤتمرات تطرح وجهات النظر وتورط الطرفين فى التزامات جديدة ومعايير تعامل واضحة وصريحة تحفظ لكليهما حقه وتقرب المسافات، مؤتمرات لا مانع من أن تأخذ طابعا احتفاليا يذيب الفجوة.
أن تقوم وزارة الداخلية فى هذا الأسبوع بالإعلان عن إنشاء إدارة مراقبة أداء رجال الشرطة تتلقى شكاوى المواطنين بهذا الخصوص، مع الإعلان عن رقم تليفون يتم من خلاله تسجيل الشكوى لمن يخاف أن يتقدم بها بشكل مباشر، على أن يكون التحقيق فى هذه الشكاوى مسؤولة مدنيين، سواء حقوقيين أو مندوبى منظمات حقوق الإنسان.
أن تقوم «الداخلية» بإصدار بيان رسمى يشرح حقوق المواطن ويتم توزيعه وإذاعته فى كل مكان، ولا يخلو البيان من توضيح حقوق رجل الشرطة أيضا.
الفكرة أن تعرض الداخلية على المواطنين ميثاقها بكل وضوح يكفل للجميع كرامتهم، وأن تعمل على أن يذوب هذا الميثاق فى الوجدان العام.. بالإلحاح عليه فى كل مكان، على أن يكون بسيطا فى صياغته، خاليا من جمل الإنشاء الفارغة التى مللنا منها جميعا ولم نعد نصدقها.
الاحتفاء برجال الشرطة الذين أبلوا بلاءً حسنا وقت ما انهارت الداخلية وحموا مواقعهم فى السياحة وبعض السجون وعلى الحدود وغيرها من المواقع، وهم كثيرون رفضوا الانسحاب وتمسكوا بمواقعهم والأسماء والحكايات موجودة لدينا ولدى كثيرين.
الأفكار التى يمكن أن يتضمنها أسبوع عودة الأمن كثيرة، منها حملة ضخمة للتفتيش على الأقسام ونقاط الشرطة لكشف أية تجاوزات فيها، إصدار مرسوم بتغليظ عقوبة إهانة رجال الشرطة، تخفيض أية رسوم مطالب بها المواطن فى أى مصلحة تابعة لـ«الداخلية» إلى النصف (الجوازات، المرور.. إلخ).. وأنا أؤمن تماما أن هناك من يمتلك أفكارا أفضل من تلك قد ضيف إلى الفكرة الرئيسية.
كل هذة الأفكار لن يكون لها أثر ما لم تتم فى طقس قومى ممتد لفترة يشارك فيه الجميع، فكما تنشغل مصر كلها بماتش مهم للمنتخب قبل انطلاقه بأسبوع، وتجد الجميع يعملون فى إطار هذا الحدث من إعلام وكتّاب ومواطنين وتجّار أعلام ومحللين ورجال شرطة.. إلخ، يجب أن يكون الحدث هو المسيطر على الساحة لأيام متتالية تسمح بتعميق الشعور به لدى الجميع.
ستمر مرحلة الانتخابات وستنتقل مصر إلى مرحلة ديمقراطية تاريخية، لن يفسدها سوى الفوضى وقدرة أى شخص على اقتحام قسم شرطة بالأسلحة الآلية لتهريب متهم أو قدرة أى شخص على أن يسرق منك سيارتك الحديثة فى دقيقة، دون أن يقدر أحد على مساعدتك فى العثور عليها ولا وزير الداخلية نفسه، أو قدرة أى شخص على أن يطلب منك فدية مقابل عودة ابنتك المخطوفة (وهاتدفع) أو قدرة أى شخص على أن يستوقفك على طريق سريع ويسلبك أعز ما تملك.. وأعز ما تملك دى تحتمل «حاجات كتير».