لم أتوقع أبدًا أن تكون معركتى القادمة مع السيدات!
فكثيرًا ما أخوض معارك مع الرجال وأشباههم داخل عربة السيدات فى مترو الأنفاق عندما أطالبهم بالنزول من العربة.. وكلمة من هنا على كلمة من هنا بينزلوا فى الآخر، بس بعد ما يستنزفوا نصف طاقتى البشرية فى مهاترات حلزونية.. لا أول لها من آخر.
المعركة هذه المرة كانت مختلفة تمامًا.. دخلت العربة المخصصة للسيدات فقط، فوجئت برجل فى أوائل الخمسينيات يقف وسط العربة المحشورة بالسيدات عن آخرها، طلبت منه النزول بهدوء شديد، وبدأت المعركة بتلك الردود التقليدية، مثل «ملكيش فيه»، و«أنا نازل المحطة الجاية»، و«أنا بعيد عن الستات أهو»، وغيرها من الإجابات الميتافيزيقية اللى تجيب شلل.
المهم، بعد 5 دقايق من اللف فى دوائر مغلقة نزل الراجل من العربية، فتخيلت أن المعركة انتهت على كده، لكنى اكتشفت أنها لسة بتبدأ.
بعد نزول الرجل مرّت ثوانٍ من الصمت التام، ثم بدأت إحداهن فى الحديث بصوت منخفض على استحياء: «هو إيه اللى حصل يعنى، ما قالّها نازل المحطة الجاية».. فردّت أخرى، ولكن بصوت أعلى قليلًا: «مش فاهمة أنا والله.. الراجل طالع مع بنته ماحبكتش يعنى.. كل واحد فيهم هيركب فى عربية؟»، ثم بدأ الصوت يعلو تدريجيًّا حتى دخلت إحداهن فى مناقشة مباشرة معى، كانت فى منتصف الثلاثينيات ومعها عدد لا يقل عن 5 سيدات من المؤيدات لموقفها، فوجدت نفسى مضطرة للدفاع عن موقفى بجمل من نوعية: «ما هو لو سمحنا لواحد هنلاقى العربية مليانة رجالة ومش هنلاقى لنا مكان فيها بعد كده»، و«ما تركب هىّ معاه عربية مشتركة»، وانتهى الحوار بردّها: «أهو انتوا كده تيجوا فى التفاهة وتتصدّروا»، حاولت أن أعرف من المقصود بـ«انتوا» دى، لكنها لم تترك لى فرصة.
نزلت من العربة بعد أن استنزفت النصف اللى فاضل من طاقتى البشرية فى معركة لم أتوقع يومًا أن أدخلها، معركة خسرانة من قبل ما تبدأ، لم يكن ينقصها سوى عبارة: «وانتى إيه اللى ركّبك المترو؟!».
نزلت من العربة وأنا أبحث عن رقم الميكانيكى على موبايلى، لأسأله عن سبب تأخّره فى إصلاح السيارة وأستعجله علشان يرحمنى من كل هذا العبث، وفى أثناء انشغالى بإجراء المكاملة، اصطدمت بسيدة عجوز كانت شاهدة على الموقف، فاجأتنى بقولها: «لا منهم ولا كفاية شرهم.. وإوعى تسيبى لهم العربية يخربوها بدماغهم»، ثم انصرفت فى طريقها، فأكملت اتصالى بالميكانيكى: «أيوة يا عم صلاح إيه الأخبار؟! لا براحتك.. أنا مش مستعجلة عليها».