بينما كان مدير أمن بورسعيد الجديد يتحدث هاتفيا مساء أول من أمس، مع الزميل العزيز الإعلامى محمود سعد على الهواء فى برنامجه التليفزيونى، ويثرثر عن جهوده فى استعادة الهدوء فى المدينة المنكوبة.. كان جنوده فى نفس اللحظة يطلقون الرصاص الحى على أهالى بورسعيد، وكان ثلاثة من المواطنين يكتبون بدمائهم شهادة كذب ادعاءات مدير الأمن، وهم ينقلون إلى المستشفى وأحدهم فى النزع الأخير بعد رصاصة فى رأسه، والاثنان الآخران يحاول الأطباء معهما بعد أن استقرت الرصاصات الحية فى الصدر وفى الجسد!
على الوجه الآخر.. كان الآلاف من ضباط وجنود الشرطة يتحركون، يرفضون أن يقفوا فى مواجهة الشعب من أجل حكم ضل الطريق وأخذ البلاد إلى طريق مسدود. كان الآلاف من ضباط وجنود الشرطة يعلنون العصيان ويرفضون أن يكونوا ضحية لعجز السياسة وغياب الرؤية، وغيبوبة الحكم الذى لا يهتم بشىء إلا بالبقاء فى السلطة والسيطرة على مؤسسات الدولة.. حتى لو تحولت هذه الدولة على يديه إلى أرض خراب أو مدن مشتعلة بالغضب أو بالنيران.
وضع شديد الخطورة بدأ مع تولى وزير الداخلية الجديد مهام منصبه ليبدأ فى استخدام أقصى درجات العنف مع المتظاهرين والمعارضين، ولتبدأ عمليات اختطاف الثوار وتعذيبهم، واستهداف أنبل شبابنا بالقتل العمد الذى راح ضحيته حتى الآن أكثر من سبعين شهيدا فى أقل من شهرين.
هذا الوضع الكارثى الذى وضع الشرطة فى مواجهة الشعب دفاعا عن سياسات خاطئة لنظام يريد أن يبنى دولة فاشية تحكم بالحديد والنار، كان لا بد أن يفتح عيون رجال الشرطة على المأساة التى يعيشونها، خصوصا حين ينتهى الوضع بمدن كاملة -مثل بورسعيد- أن تدخل فى صدام مع الشرطة والأمن المركزى، وحين تتحول مهمة الشرطة فى العديد من أنحاء الوطن إلى مجرد الدفاع عن مديريات الأمن وأقسام الشرطة لا حماية الوطن واستعادة الأمن.
كان لا بد للوضع أن يثير التساؤل حول المستفيد من انهيار جهاز الشرطة لا إصلاحه؟! وهل هذا جزء من عملية تفكيك الدولة وإضعاف مؤسساتها حتى يمكن السيطرة عليها؟! ثم ماذا عن ميليشيات مسلحة تعربد فى البلاد؟! وماذا عما سبق وأثير عن دراسات لنقل تجربة الحرس الثورى الإيرانى إلى مصر؟!
وسط هذه الأوضاع الكارثية يأتى الباحث الأمريكى «إيريك تراجر» الباحث فى معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى لينسب إلى القيادى الإخوانى الدكتور محمد البلتاجى تصريحات بأنه المسؤول عن ملف هيكلة الشرطة!!
ورغم أن البلتاجى والمسؤولين فى جماعة الإخوان حاولوا تكذيب ذلك، والقول بأن هناك خطأ فى الترجمة، إلا أن الباحث الأمريكى أكد أن التصريحات صحيحة وأن لديه تسجيلا لها!!
هذا يعنى ببساطة أن وزير الداخلية ليس إلا أداة فى يد الجماعة، وأن سياسة الوزارة لم تعد تنبع من الالتزام بتحقيق أمن الوطن، بل الموت واستعداء الشعب والصدام مع المواطنين وانتهاك حقوق الإنسان.. من أجل مصلحة الجماعة التى تعلو فوق كل مصلحة!!وهذا يعنى ببساطة أكثر أن المطلوب من الحكم ليس إصلاح الشرطة إصلاحا حقيقيا لتكون الجهاز الذى يحقق أمن الوطن ويحافظ -فى نفس الوقت- على كرامة المواطن. بل المطلوب هو وضع الشرطة سيفا على رقاب الشعب، وسلاحا لتمكين الجماعة من السيطرة على الدولة وإسكات كل صوت معارض وتصفية الثوار الحقيقيين. لهذا ترتفع رايات العصيان المدنى فى ربوع مصر. تطلب قيادات الشرطة استخدام أقصى درجات العنف ضد المواطنين، يتساقط الشهداء ويعم الغضب، يرفض الآلاف من ضباط وجنود الشرطة أن يكونوا سلاح الجماعة فى قهر الشعب. حين تتحول شرطة مصر إلى شرطة البلتاجى.. يصبح طبيعيا أن يطلق الرصاص الحى على المواطنين الأبرياء فى بورسعيد وغيرها، وأن يسحل الناس وتنتهك أعراضهم، بينما ابن الأخ الرئيس مرسى يهدد ضابط الشرطة بأنه سيجعله يخلع البدلة الميرى، ويجلس بجوار أمه!!
هل يمكن لكل هذا العبث أن يستمر؟!