أمام الشرطة فرصة نادرة ولعلها وحيدة وربما أخيرة كى تستعيد نفسها.
أن يصمم ضباط وأمناء وأفراد الشرطة على مواجهة أخونة الداخلية وعلى إقالة محمد ابراهيم الذى لم ولن تشهد مصر وزيرا للداخلية أسوأ منه، فقد حاول أن يجعل من الشرطة ميليشيا لجماعة سرية غير شرعية، بينما مطلوب منه أن يحارب العصابات فإذا به يعمل خادما لعصابة سياسية بقتل وسحل المتظاهرين والمعارضين وإجبار ضباط وزارته وأفرادها على التنكيل بالشعب المصرى!
هذا هو متر الأخير فى سمعة الشرطة..
إما نصر وفوز وعودة لقلوب الشعب..
وإما استمرار فى الغىّ والقمع والبطش والهوس بالتعذيب والسحل والضرب.
إما عودة للشرطة الوطنية العظيمة التى وقفت فى خمسة وعشرين يناير 1952فى مواجهة الجيش والاحتلال الإنجليزى..
وإما العودة إلى خمسة وعشرين يناير 2011، حيث مصر كلها تكرهها وتمقتها وتطالب بسقوطها.
والخيار لك يا صديقى وأخى وجارى الشرطى.
إما محمد مرسى وجماعته وإما الشعب المصرى.
دعنى أذكرك فقط بيوم استدعى القائد البريطانى أكسهام أحد ضباط البوليس المصرى من منزله الساعة الخامسة من صباح خمسة وعشرين يناير 1952 وألقى فى وجهه بورقة، ثم أدار له ظهره وتركه، وأغلق عليه باب حجرته، وعندما تصفحها الضابط المصرى قرأ فيها الإنذار التالى:
«على جميع قوات البوليس المقيمة فى مدينة الإسماعلية بما فى ذلك القوات الموجودة بمبنى المحافظة والثكنات أن تسلم جميع أسلحتها وذخيرتها إلى القوات البريطانية، وأن تجلو عن المدينة وترحل من منطقة القنال فى ميعاد أقصاه الساعة السادسة والربع».
ورجع الضابط المصرى ومعه صورة الإنذار المهين وقدمه إلى قائد بلوكات النظام ووكيل المحافظة، وقرروا رفضه، ثم اتصلوا بوزير الداخلية «فؤاد سراج الدين» الذى وافقهم على الرفض وعدم التسليم ومقاومة أى اعتداء بالقوة.
وفى تمام الساعة السادسة والربع بدأت المدافع تقصف المدينة وتضرب المحافظة وثكنات بلوكات الخفر، وحاصر المدينة عشرة آلاف جندى وضابط إنجليزى مسلحين بالدبابات والسيارات المصفحة وقاذفات اللهب ومدافع الميدان، وتساقطت القنابل على المنطقة بغية هدمها ودكها دكًّا على من فيها، فما كان من جنود البوليس إلا أن تحصنوا فى المبانى التى كانوا يقيمون بها وبدؤوا يردون على العدوان ويقابلون القوة بمثلها ويواجهون المدافع والدبابات برصاص الأسلحة الصغيرة التى كانت فى حوزتهم. على الناحية الأخرى وكما يحكى محمد عبد الرحمن حسين فى كتابه «نضال شعب مصر» ظل باقى جنود البوليس الذين كانوا يعسكرون فى دار المحافظة يطلقون النار على الإنجليز ولم يرهبهم استسلام زملائهم ولا كثرة عدد القتلى والجرحى، ولم يخشوا النيران التى كانت تتساقط من فوقهم، ولا تهدُّم جزء من مبنى المحافظة على بعض الجنود، بل ظلوا ثابتين فى أماكنهم يردون الحديد بالحديد والنار بالنار.
واستمرت المقاومة -مقاومة ما لا يزيد على خمسين جنديا وضابطا من رجال البوليس للجيش البريطانى ممثلا فى عشرة آلاف جندى وضابط- حتى نفدت منهم آخر طلقة كانت مع آخر جندى، واقتحم الإنجليز أنقاض دار المحافظة، بعد ما تهدمت تماما وشبت بها النيران، وأسروا الأبطال ممن ظل حيا من الجنود والضباط!
يا ترى ماذا سيختار ضباط مصر الآن؟