أسوأ ما يواجهه الناس ليس قسوة الظروف الاقتصادية ولا حتى انهيار الشعور بالأمان، لكنه الإحساس بأن ما يرونه ظاهرا ليس كل شىء، وأن هناك دائما ما يُدبر فى الخفاء من قبل إدارة وحكم يفترض فيه أنه أمين على ما ائتمنه الناس.. الناس يمكن أن تتحمل شظف العيش وصعوبة الحياة لو أن رؤية واضحة مطروحة أمامها، رؤية تطرح الواقع ويستشعر الناس صدقها وأمانتها.. لكننا نصحو كل يوم على سيناريو مصطنع يشير إلى أن سيناريو جس النبض حالة مستمرة، صحيح هو يتسم فى معظم الأحوال بالركاكة وانعدام الخيال لكنه فى النهاية يؤكد ما يحسه الناس أغلب الوقت.
ثمة ما يعد فى الخفاء، وما يعد فى الخفاء هو فى الخفاء، لأنه غير جدير بثقتكم ولأنه ضد ثوابتكم. ربما توقفت طويلا أمام السيناريو المطروح لتأجير الآثار المصرية.. وإن كنت أرى فى ملابساتها «شغل بلدى» فى اللف والدوران، لكنها عملية شيطانية فعلا، تصوروا مطلوب أن نصدق أن صاحب موقع هبط عليه الوحى فأرسل مقترحا لحل مشكلات مصر المالية هو ببساطة تأجير الهرم وأبو الهول.. هوب رسالة لوزير المالية وهوب تحول الرسالة للمجلس الأعلى للآثار وتتوالى الخطوات المحفوظة إنكار وشجب ثم تسرب معلومات فإعلان «إنه إحنا لم نوافق»، وينشر الإعلام (الفاسد) المستندات التى تكشف كذب هذا الحكم الذى هو على استعداد أن يفرط فى أى شىء، والذى يحمل لمصر خرابا لم تره ولا حتى تحت عهود الاحتلال من الغريب.
أى فكرة شيطانية تلك التى تحوم دوما حول الأصول والثوابت، ومن هؤلاء ومن أى صنوف الغزاة؟
هل تقول إن الاحتلال الإنجليزى والفرنسى كان أكثر وعيا بقيمة مصر من الاحتلال والمحتلين الجدد.. نعم هما كذلك، على الأقل كان لديهم الوعى مع ماذا ومن يتعاملون.
تصوروا فى أسبوع واحد تتوالى سيناريوهات جس النبض والطرح للبيع (ربما لآثار مصر فى القاهرة وأسوان، ولفندق السلاملك بالإسكندرية وسبقها قناة السويس وشرق التفريعة وماسبيرو).
نحن مواجهون بإدارة غير قادرين على الشعور بأنها أمينة على مقدراتنا ومقدرات بلادنا.. إدارة عليك أن «تعد صوابعك» فى حضرتها.. إدارة لا ثوابتها هى ثوابتنا ولا ما تدعيه علانية هو ما نبطنه.. كيف يمكن أن يكون مطلوبا أن يكون الوطن للإيجار أو البيع.. ومطلوب من الناس أن تحترم الشرعية.. أى شرعية؟.. هل صوت من صوت لبيع مصر؟ هل هذه هى الشرعية التى يذلون الناس بها ليل نهار؟
الإدارة بالخيانة أو الخيانة بالإدارة تلك هى المصيبة الحقيقية التى علينا أن نواجهها.