ينبغى التمسك بحق الشعب فى محاكمة الدكتور مرسى عن التهم العالقة ضده والتى منها حنثه باليمين، ووقوع عشرات الشهداء فى أيامه، وإصابة المئات إصابات خطيرة أفضى بعضها إلى عجز، وعن تسببه فى هيمنة أجواء الكراهية والعنف بين فئات الشعب، ودعمه لخرق أجهزة الأمن للقانون وللقواعد واجبة الإتباع فى التعامل مع المتظاهرين العزل واستخدام السلاح القاتل والغازات الممنوعة، واقتراف جريمة التعذيب الممنهج لإيذاء الموقوفين بدنيا وتعمد إذلالهم والنيل من كبريائهم، وسماحه بحبس الأطفال مع البالغين فى زنزانة واحدة، وتهاونه فى انتهاك كرامة النساء على أيدى عصابات منظمة، وإهماله للوحدة الوطنية وعدم اكتراثه بغضب الأقباط وإحجامهم عن المشاركة فيما لا يجوز تمريره إلا بالرضا العام، وعدم اكتراثه بالخلل الأمنى الذى بات يهدد حياة الأغلبية الساحقة من المواطنين، وعدم اتخاذه للإجراءات الواجبة فى التعامل مع البلطجية الذين صاروا فى عهده مطلقى السراح برغم أنهم مسجلون لدى أجهزة الأمن، ودعمه لميليشيات تنزع عن الشرطة صلاحياتها وتوفيره مقار الدولة لها لتعمل علنا لصالح تنظيمه السياسى ضد القانون، وانقياده لجماعة الإخوان المسلمين الخارجة عن الشرعية والحريصة على أن تظل متحررة من أى قيود قانونية تحدد نشاطها وتراقب ماليتها وتحاسبها حال الخروج على القواعد، وإتاحته الفرصة لهذه الجماعة أن تفرض سطوتها على أهم شؤون البلاد، فتتخذ أخطر القرارات المصيرية فى الداخل والخارج، دون أن ينتخب الشعب مرشدها وقياداتها، ودون أن يترك أحد منهم بصماته على القرارات التى صدرت عنه ويوقعها غيره، ودون أن تكون هنالك آلية لمحاسبة المسؤول الحقيقى الذى يحظى بحماية من القصر الرئاسى، إضافة إلى رعايته للعدوان الرهيب على استقلال القضاء ومحاصرة المحاكم ومنعها من ممارسة عملها، والتطاول المتكرر على مكانة القضاة، وتسفيه أحكامهم، وعدم تصديه لتلفيق التهم من حزبه وجماعته ضد خصومهم السياسيين، بل والتغاضى عن الجرائم العلنية التى يقترفها أهله وعشيرته! وعدم اتباعه لأى سياسة تحمى مناخ التنمية والاستثمار بل وعدم الاهتمام بتبديد الظروف الطاردة التى يترك المستثمرون البلاد بسببها، حتى أن بعض المستثمرين المصريين باتوا يفرون من هذه الأجواء، وعداؤه الثابت لحرية الصحافة والصحفيين، وتهاونه مع حصار مدينة الانتاج الإعلامى التى تبث القنوات العاملة فيها موادّ ترى فيها جماعته نقدا لممارساتها فى العمل العام..إلخ إلخ
وليس كل هذا سوى مجرد مجموعة من التهم فى قائمة تضم المزيد، وقد خضع مبارك للمحاكمة على ما هو أقل من ذلك، حتى انتشرت مقولة فى الصحف والتليفزيون ووسائل التواصل الاجتماعى تطالب بالمساواة بين مبارك ومرسى: إما أن يلحق مرسى به فى زنزانة مجاورة، وإما أن يُطْلَق سراحُ مبارك!
وسوف يضاف إلى قائمة التهم ما سوف يحدث غدا السبت 9 مارس، والمفترض أن على رئيس الجمهورية أن يضع السياسات الوقائية التى تحمى البلاد من مخاطر متوقعة، فماذا أعدّ الدكتور مرسى ليوم غدٍ الرهيب؟ فالجميع يعلمون أن حُكم القضاء فى مذبحة استاد بور سعيد المقرر له الصدور، وأيا ما كان الحُكم، سوف يجد ردود أفعال رهيبة من قطاع عريض من الشعب: إذا قضى بإعدام المتهمين فسوف تشتعل بور سعيد على لهيبها المتقد منذ أسابيع، وأما إذا كان الحكم أخفّ من ذلك، فإن الألتراس الأهلاوى قد أعرب عما سيكون عليه موقفهم! ولكن لا يبدو أن الدكتور مرسى قد اتخذ أية تدابير تقى البلاد من اضطرابات هائلة، بل إنه وطوال اشتعال بور سعيد بالغضب لم يقف عند التجاهل وعدم السعى لاحتواء الموقف سياسيا، بل اكتفى بالفُرْجة على إطلاق الرصاص الحى على مشيعى الجنازات والمارة فى الشوارع وترك الضحايا وذويهم يعربون عن دهشتهم إذا ما كان لدينا حقا رئيس للجمهورية، وعن احتجاجهم على أن تتدهور الأحوال إلى مادون ترك المواطنين بلا أمن إلى أن يحظى المجرمون بالحماية فى عدوانهم الذى يصل إلى القتل فى وضح النهار، ثم الإفلات دون ملاحقة!!
لقد اكتسب الشعب المصرى حقه فى محاكمة رئيس البلاد بفضل ثورة يناير، وراح فى سبيل ذلك المئات من أفضل الأبناء، وأى تنازل عن هذا الحق هو تبديد لمكتسبات الشعب وهدر لقدر الشهداء وتضحياتهم الهائلة، كما أنه استهزاء بمشاعر الأمهات والآباء والأخوات والأخوة والأصدقاء واستهانة بحق عموم المواطنين.
وأما الدخول فى عبث المجادلة بأن للرئيس أن يُكمل فترة ولايته وإلا لدخلت البلاد فى دوامة تغيير الرؤساء، فهذه سفسطة مطابقة لدعاية مبارك فى بداية الثورة بأن من حقه، ومن مصلحة مصر، إكمال ولايته لمدة أشهر قليلة، كانت باقية له حتى نهاية ولايته، ثم يغادر مكتبه بعد أن يرتب لنقل آمن للسلطة فى انتخابات نزيهة.
والجدير بالملاحظة أن تتطابق الحجج بين مبارك وعصابته مع مرسى وعشيرته، وأن تكون التبعات أيضا واحدة، فلقد أصدر القضاء حُكما قبل يومين بإلغاء قرار الدكتور مرسى لدعوة الناخبين لاختيار أعضاء مجلس النواب بسبب عوار فى قانون الانتخابات ولتمريره قبل أن تستكمل المحكمة الدستورية العليا نظره فيما نصّ عليه الدستور بالرقابة السابقة، تماما مثلما كانت تتوالى الأحكام ضد قوانين مبارك الانتخابية والتى كانت تقضى بإبطال برلماناته.
لقد تجمعت الأدلة المفحمة على عدم كفاءة الدكتور مرسى على حكم البلاد، وكان أهمها تفريطه فى المسؤوليات والصلاحيات التى فوضه الشعب بالقيام بها، وتنازله عنها إلى جماعته التى لم ينتخبها الشعب لرئاسة الجمهورية، فضلا عن عدم قانونية وضعها، ثم أنه، ومع شيوع هذه الشبهة، لم يعمل على نفيها والدفاع عن نفسه، بل ترك الأمر يترسخ، فتعامل الجميع معه على كونه حقيقة ثابتة! ثم صار من باب العلم العام أن جماعة الرئيس تتبنى سياسة لا تهتم إلا بتعزيز أوضاعها بالاستيلاء على مكامن السلطة فى طول البلاد وفى شتى المجالات فيما اصْطُلح على تسميته بمشروعهم للتمكين، وقد زاد من تفاقم الوضع ومن اتساع دائرة الرفض أن هذه السياسة المطبقة لم تدرج فى جدولها الاهتمام بأحوال الناس وتوفير احتياجاتهم وتلبية مطالبهم، فنزلت على المواطنين نزلات انتشار البلطجة وغلاء الأسعار واختفاء السلع الأساسية، وكان الأهم فقدان الناس للأمل وانتشار الخوف مما هو آتٍ.
ومن العبارات الموحية التى قيلت قبل أيام وفيها إشارات ذكية تفسر الأزمة الطاحنة المركبة التى وقعت فيها البلاد، ما أكده وزير الخارجية الأمريكى الجديد جون كيرى فى ختام لقائه بالدكتور مرسى أن الولايات المتحدة الأمريكية قلقة للغاية من أن لا تكون الإدارة المصرية مدركة للأوضاع السياسية على الأرض بشكل كامل!!
بل إنه أضاف تهديدا بأن بلاده لن تستطيع مساعدة مصر اقتصاديا إلا بعد أن تنجح مصر فى مساعدة نفسها بتوفير الاستقرار السياسى الذى يبعث على الطمأنة.
ويبدو أن الاستقرار سوف يبدأ مع بداية المحاكمة التى تتوفر لها كل شروط العدالة للدكتور مرسى ومن معه.