ايجى ميديا

السبت , 2 نوفمبر 2024
ايمان سمير تكتب -وقالوا عن الحرب)مني خليل تكتب -اثرياء الحرب يشعلون اسعار الذهبكيروش يمنح محمد الشناوي فرصة أخيرة قبل مواجهة السنغالايمان سمير تكتب -عيد حبعصام عبد الفتاح يوقف الحكم محمود بسيونيمني خليل تكتب -غياهب الايام الجزء الرابعالمصرى يرد على رفض الجبلاية تأجيل لقاء سيراميكا: لماذا لا نلعب 9 مارس؟مني خليل تكتب -غياهب الايام الجزء الثالثمني خليل - احسان عبد القدوس شكل وجدان الكتابة عنديالجزء الثاني / رواية غياهب الأيام كتبت / مني خليلإحاله المذيع حسام حداد للتحقيق وإيقافه عن العملتعاون بين الاتحاد المصري للدراجات النارية ودولة جيبوتي لإقامة بطولات مشتركةغياهب الايام - الجزء الاول - كتبت مني خليلاتحاد الكرة استحداث إدارة جديدة تحت مسمى إدارة اللاعبين المحترفين،كيروش يطالب معاونيه بتقرير عن فرق الدورى قبل مباراة السنغال| قائمة المنتخب الوطني المشاركة في نهائيات الأمم الأفريقية 🇪🇬 .... ⬇️⬇️اللجنة الاولمبية تعتمد مجلس نادي النصر برئاسة عبد الحقطارق رمضان يكشف سر عدم ترشح المستشار احمد جلال ابراهيم لانتخابات الزمالكنكشف البند الذي يمنع الدكتورة دينا الرفاعي من الاشراف علي الكرة النسائيةوائل جمعة نتتظر وصول كيروش

اللغو الفارغ في جدل «المشاركة» و«المقاطعة»

-  

أعترف أني، لأول مرة، غير قادر على اتخاذ موقف نهائي بالمشاركة أو المقاطعة في الانتخابات البرلمانية. ربما يرجع هذا إلى عطب أصاب قدراتي على التحليل وبلورة الاستراتيجية والتكتيكات– ربما! لكني كذلك أظن أن هناك من الأسباب الموضوعية ما يجعل القرار هذه المرة أصعب كثيرًا من سابقيه.

(1)

في عالم السياسة، كما في الحياة عمومًا، يلعب كل من «الأمل» و«اليأس» أدوارًا مفصلية كدوافع لحركة الناس ومواقفهم.

يظن بعض الساسة المحترفين أن القواعد الإجرائية – المتمثلة مثلًا في درجة نزاهة الانتخابات ومدى ديمقراطية القوانين المنظمة لها– تحدد وحدها معدلات مشاركة الجماهير في التصويت وتقرر منفردة إن كانوا سيقتنعون بنتائجها أم لا. لكن الحقيقة أعقد من ذلك بكثير.

الحقيقة أن متلازمة الشد والجذب بين الإحساسين المتناقضين بالأمل في الديمقراطية التمثيلية واليأس منها، كمفتاح للخروج من بؤس الواقع وإحباطاته البنيوية، تلعب دورًا حاسمًا في توجيه الناس ناحية المشاركة في الانتخابات أو العزوف عنها، وذلك بغض النظر أحيانًا عن العوار النسبي في العملية من الناحية الإجرائية والتنظيمية.

الديمقراطية التمثيلية هي أكبر أيقونات السياسة في عالمنا المعاصر. فلأسباب لا مجال للتفصيل فيها هنا، وبالذات بعد انقضاء عصر الأنظمة الشعبوية على الطرز الناصرية والستالينية والماوية، أصبحت الديمقراطية التمثيلية أهم آمال، وكذلك أهم أوهام عالم السياسة والحكم.

في مسرحية «الفرافير» ليوسف إدريس أعطى «السيد» لـ«الفرفور» درسًا في قانون الوجود القائم على اللامساواة بين الأسياد والفرافير. قال السيد: «ده نظام المجتمع يا فرفور، أي مجتمع فيه بني آدمين لازم يبقى كده.. قانون الإنسان كده ولازم كلنا نخضع له.. تعرف قانون تاني ممكن يخضع له الإنسان؟» ما أشبه درس السيد الفرفور بشأن قانون الوجود بالدرس الذي تقدمه لنا الديمقراطية التمثيلية.

الديمقراطية التمثيلية سجنٌ للوعي. فهل هناك، في وعي الجماهير المعاصرة في اللحظات العادية، بديل للأمل الانتخابي كطريق للسلطة والحكم؟ هنا ناخب/ مواطن، وهناك مرشح/ سياسي، والعلاقة بينهما صندوق انتخابي شفاف. دور الناخب/الفرفور هو الإدلاء بصوته كل كذا عام لأشخاص ينتمون، في الأغلب، إلى عوالم أخرى – عوالم نخبة الثروة والسلطة. أما المرشح/ السيد فعليه، بعد فوزه بالمقعد، عبء اتخاذ كل القرارات المصيرية التي تمس أوتار مصالح الفرافير. ولا عجب في ذلك، فالسيد أدرى من الفرفور بـ«المصلحة العامة».

الدائرة المفرّغة من الأمل واليأس في الديمقراطية التمثيلية تدور بلا توقف. في العالم المنقسم، بشكل يبدو مطلقًا ونهائيًا، بين المواطن العادي والسياسي المنتمي إلى النخبة، لا يرى المواطن مدخلًا للتغيير إلا إعطاء ثقته (وصوته) لسيد آخر، فربما يكون في هذا الأخير أمل لتبديل بؤس الواقع. فإن خذله، كما هي العادة، السيد الجديد يعود اليأس والعزوف، فتتراجع معدلات التصويت. لكن الديمقراطية التمثيلية، رغم ذلك، تظل راسخة طالما لم ينجح الفرفور في حفر مجرى جديد يتجاوز الديمقراطية التمثيلية بمحدوديتها وبنيتها الاغترابية واللامساواتية.

فقط الثورات وصعود الحركات الجماهيرية من أسفل هي التي تفتح بابًا مختلفًا للأمل. فحين تكتشف الناس العادية قوتها في نضالها الجماعي من أسفل – حين تسبق الممارسة النظرية ويتعلم الخاضعون أن العالم من الممكن أن تكون له قوانين أخرى غير السائدة– تبدأ الديمقراطية الجذرية من أسفل، ممثلة في حركة الشارع والتنظيمات القاعدية من كل صنف ولون، في مزاحمة الديمقراطية التمثيلية، ليس فقط في الواقع، بل كذلك في وعي الناس.

(2)

إحدى أهم مفارقات الثورة المصرية هي أنها لم تبلور أبدًا مسارًا سياسيًا مزاحمًا للديمقراطية التمثيلية. قوة الاندفاع الهائلة لنضالات الجماهير من أسفل – شلال الإضرابات والاعتصامات والمظاهرات والاحتلالات – لم تجد لنفسها تمثيلًا سياسيًا يرفع شعارات الديمقراطية من أسفل كبديل ممكن، ليس بالضرورة للقضاء على فضاء الديمقراطية التمثيلية كلية، لكن على الأقل كفضاء مواز كابح لاغترابية ولامساواتية ديمقراطية الانتخابات الإجرائية.

لا شك أن أحد أهم مظاهر الثورة المصرية هو الإبداع الذي لا ينتهي للحركات الشعبية من أسفل، بدءًا من السخرية القاسية من كل أشكال السلطوية، مرورًا بأجنة شبكات التنظيم الشبابية والعمالية والاجتماعية، انتهاءًا بالنقد العميق الحاد للديمقراطية التمثيلية كوعاء لاحتواء آمال الناس في التغيير الجذري. لكن كل هذه الإبداعات الجماعية من أسفل افتقرت إلى بلورة سياسية – إلى قوة منظمة تحمل رؤية بديلة متكاملة تنبني على منظور التغيير من أسفل.

وهكذا انحصرت الحركة الهائلة من أسفل في سجن الوعي الديمقراطي التمثيلي؛ هكذا ظلت البدائل المفارقة لهذا الوعي البائس مجرد هوامش عصبوية متزمتة لا تعترف بإمكانية، بل ضرورة، بناء مسار الديمقراطية الجذرية الموازي انطلاقًا من (وليس قفزًا على) الوضعية المتناقضة لوعي الجماهير التي بدأت لتوها تكتشف الإمكانيات السياسية الكامنة في الديمقراطية من أسفل، لكنها كذلك مازالت متعلقة بأوهام الديمقراطية التمثيلية التي طالما حُرمت منها.

(3)

هكذا كان سهلًا عليّ أن أدافع عن المشاركة في كل الانتخابات والاستفتاءات السابقة. كانت رؤيتي أنه كما أن الثورة قد فتحت بابًا واسعًا لبناء مسار الديمقراطية من أسفل، فهي أيضًا قد فتحت شهية الناس – على خلفية عدم تنظيم أو استقلال الحركة الجماهيرية وفي ظل سيطرة القوى البرجوازية على الوعي الجمعي للخاضعين – للمشاركة في العملية الانتخابية بوصفها «أملًا» حقيقيًا في التغيير للأفضل.

انطلاقًا من هذا، كان موقفي أن المطلوب هو انخراط الثوريين في تلك العملية السياسية التقليدية، ليس لتكريسها، بل على العكس لاستغلال المنابر والشرعية الاستثنائية التي تتيحها من أجل التحريض على توسيع أفق المسار الديمقراطي من أسفل.

مازلت أظن أن موقفي هذا كان الأصح بالنظر إلى معطيات الوضع. لكن المشكلة التي ظهرت هي أن القوى الثورية المبعثرة أهدرت الفرصة تلو الفرصة لبناء بديل ثالث يمزج بين عقلانية الانطلاق من الوضع المتناقض (الثوري/ الإصلاحي) للوعي الجماهيري، وعقلانية السعي إلى تجاوزه، بالتجربة والتحريض، في اتجاه تأسيس المسار القاعدي الجذري.

ففي الانتخابات البرلمانية في أواخر 2011 وأوائل 2012، لاحت فرصة تاريخية بتشكيل تحالف «الثورة مستمرة» الذي حاز أقل قليلًا من مليون صوت في ظل ظروف أقل ما يقال عنها إنها شديدة الصعوبة. كانت هناك إمكانية لتحويل هذا الحلف الانتخابي إلى حلف سياسي ثوري يعطي أملًا لكل أنصار استمرارية الثورة في أن هناك بديلا آخر عدا البؤس الإخواني أو السلفي الرجعي أو المدني اليميني؛ بديلا مصمما على استخدام منابره البرلمانية «الشرعية» من أجل خلق «شرعية بديلة» لحركة وتنظيمات الخاضعين في كل موقع ومجال.

فماذا حدث؟ انهارت التجربة في واحدة من أردأ تجارب الإدارة السياسية التي يمكن للمرء أن يتصورها. لم يكن هذا فقط بسبب الأداء الرديء لمعظم نواب «الثورة مستمرة» تحت القبة، بل كذلك بسبب افتقار قادة التحالف السياسيين أي إرادة لبناء حركة سياسية مستدامة على أساس من النجاح الانتخابي المتحقق.

مرة أخرى، ومع وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة واكتشاف قطاعات واسعة من الجماهير سلطويتهم وعداءهم لمصالح الناس في العيش والعدالة الاجتماعية، هرولت غالبية القوى الثورية للاصطفاف مع اليمين المدني في جريمة سياسية أعادت تشكيل الفضاء السياسي على أساس استقطابي رجعي بدرجة أكبر من أي لحظة سابقة منذ اندلاع الثورة. وكانت النتيجة فرصة أخرى، أهم، مهدرة لتأسيس بديل ثوري ثالث يعطي الناس أملًا في التغيير في اتجاه تحقيق مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية.

(4)

هذا بالضبط هو ما يجعلني اليوم غير قادر على تحديد موقف من الانتخابات البرلمانية القادمة.

فمن ناحية أولى شاع اليأس بين صفوف قطاعات واسعة من الجماهير من الديمقراطية التمثيلية وآمالها الوهمية. فبعد سلسلة لا تنتهي من الانتخابات والاستفتاءات، بعد وعود بلا حصر عن الاستقرار القادم والرخاء الذي ينتظرنا لو صوتّنا هذه المرة، فقدت الناس الاهتمام بالصندوق الانتخابي وأكاذيبه المتكررة.

وفي المقابل، وفي سياق غياب البديل الثوري، اتسع نطاق العنف غير المرتبط باستراتيجية ثورية، سواء كتعبير عن صراع ديناصورات السياسة التقليدية على كعكة السلطة، أو كتعبير عن غضب جماهيري حقيقي ضد سلطة الإخوان وحلفائهم.

من ناحية ثانية، تفاقمت أزمة البديل الثالث ووصلت إلى حدود الخطر. إذ تفتقر حركة الشارع، في لحظتها الصعبة الحالية، إلى قيادة سياسية ترتكز على النضال من أسفل وتبني استراتيجيتها على إمكانيته الكامنة. ومن ثم فإن اليأس الجماهيري يتعمق، فيتحول إلى انفجارات دورية قد تحدث دويًا، لكنها لا تحفر مجرىّ جديدًا.

أما المعارضة «اليمينية المدنية»، فهي منقسمة بين تيارين: تيار يراهن على المقاطعة كأداة لعزل الإخوان، وكل الإسلاميين، في برلمانهم غير الممثل للشارع الخارج عن نطاق السيطرة، وهو ما قد يوفر الفرصة لعقد اتفاق جديد، يتوق اليمين المدني منذ زمن إلى إبرامه، يغيّر من قواعد اللعبة التي يرى الأخيرون أنها مجحفة لهم. أما التيار الثاني، فسيشارك في الانتخابات خوفًا من أن يرتد السحر على الساحر وينتهي الأمر إلى عزل المعارضة بدلًا من عزل القوى الإسلامية.

مشكلتي أني لا أظن أن مشاركة أو مقاطعة قوى المعارضة الكبرى المنتمية، بهذا الشكل أو ذاك، إلى معسكر الوسط واليمين المدني، سوف تغير كثيرًا من الأمر.

طبعًا المشاركة سوف تعطي مظهرا ديمقراطيًا أشيك يلح في طلبه الإسلاميون والأمريكان. لكن لا المشاركة بالمظهر الأشيك الذي ستقدمه، ولا المقاطعة بوعود عزل الإخوان التي تنبني عليها، في مقدورهما أن يحلا مأزق انسداد الأفق السياسي الديمقراطي التمثيلي. العطب كامن في جذر الشجرة. والناس العادية أصبحت مدركة لهذا بعد شلال لا يتوقف من التجارب الانتخابية. ومن ثم فإن المشاركين في الانتخابات في كل الأحوال، زادت أو نقصت أعدادهم، لن يخرجوا عن دوائر الولاءات السياسية والعصبية التابعة لقوى حزبية أو جهوية معينة.

لن تشارك غالبية الجماهير غير التابعة للقوى المؤسسية النافذة فيما أصبحت ترى أنه مسرحية باهتة مكررة. فالنتيجة في كل الاحتمالات ستكون مؤسسة معطوبة جديدة لا تحقق استقرارًا سلطويًا أو انتصارًا ثوريًا.

الأزمة الحقيقية أن الفشل البنيوي الذي يعاني منه المجال السياسي برمته يجعل المقاطعة كالمشاركة تمامًا، أفقًا مسدودًا. فما الذي يمكن أن تحمله المقاطعة من وعود في ظل غياب بديل ثوري؟ ما الذي يمكن أن تحققه مقاطعة جوهرها هو صراع على الحصص في كعكة السلطة بين قوى تنتمي في أغلبها إلى نخب غير ثورية تستدعي الجيش، الفلول، الأمريكان، أو الدولة القديمة للانتصار على عدو لا يختلف كثيرًا في يمينيته؟

رغم أن الأمر يبدو على خلاف ذلك، فأنا لا أرى فيما أقوله أي دعوة للعدمية أو اليأس. إن لما أقوله دلالة هي أن جدل المشاركة والمقاطعة يعد لغوًا فارغًا إن لم يرتبط، الآن وفيما بعد، بتأسيس تحالف ثوري يعطي للناس الأمل أن الثورة ليست اختيارًا بين يمينين كلاهما مرّ.

التعليقات