مفاهيم جديدة على أداء رجال الشرطة تربوا عليها في خلال الثلاثين عاماً الأخيرة، فتتطور الأداء الأمني لرجال الشرطة من حماة الشعب والمدافعين عن الحق.. إلى حماة النظام والمدافعين عن الفساد والمفسدين.. فبطش أجهزة الأمن بالمعارضين من شتى الأطياف والتنكيل بأسرهم وذويهم والاستبداد الوظيفي الذي مارسه رجال الشرطة، وتركهم المجال مفتوحا للصوص والمفسدين والمجرمين يمرحون في البلاد كيف ما شاءوا، في حين التركيز كل التركيز على مراقبة المساجد والتصنت على رموز المعارضة، وعقدهم الصفقات المشينة مع البلطجية والشبيحة للاستعانة بهم في الانتخابات.
فقد أوسع النظام من صلاحياتهم لدرجة جعلتهم فوق القانون والمساءلة، وجعل الأنف الأمني مدسوسا في كل شئون الحياة اليومية في مصر، وكلمة الأمن هي الكلمة الفاصلة في اتخاذ معظم قرارات الشأن المصري، وذلك في ظل دعم سياسي غير محدود من مبارك الذي شعر بالامتنان من نجاح العادلي وزبانيته في القضاء على تهديدات المعارضة الإسلامية، والحفاظ على كرسي السلطة بلا خصوم سياسيين، وهذا التوسيع في الصلاحيات والتكبير في السلطات
أثر ذلك على عقلية الضابط المصري، وجعله يشعر حقيقة لا ادعاء أنه فوق الجميع، وأنه من أسياد البلد وغيره هم العبيد الذين ليس لهم إلا قطع اليد لو طالت على أسيادهم.
كل هذا لم يكن دون مقابل، فالحقيقة كان النظام عادلاً مع هؤلاء الحراس.. حراس السلطة والسلاطين والفساد والمفسدين والإستبداد والمستبدين.. فقد أعطاهم كل الصلاحيات المطلقة كي يستعبدوا المواطنين.
فالضابط المصري تغيرت عقليته بصورة كبيرة وامتد هذا التغير حتى طال المناهج الدراسية التي تدرس لطلاب كلية الشرطة، وأصبح طالب كلية الشرطة يتعامل مع جيرانه وأصحابه على أنه أعلى وأكبر وأهم منهم، حتى أصبح ضابط الشرطة في العقل الجمعي المصري رمزا للطغيان والتكبر والاستعلاء والسلطة المطلقة.
كان كل ضابط شرطة في نظر الشعب بمثابة «مبارك صغير» في جبروته وتكبره وسلطاته الواسعة، وتنادى الشعب المصري بأجندة خاصة مفاداها بأن لا تصاهر ضابطا ولا تجاوره، لأنك حتما ستكتوي بناره، ومن ثم لما قامت ثورة ٢٥ يناير انفجرت براكين الغضب ضد الشرطة، خاصة بعد انتصار الثورة، مما باعد الهوة وعمق الفرقة بين الشعب والشرطة .
أغلب ضباط الداخلية.. إن لم يكن جميعهم، يشعرون بالمرارة والأسى على رحيل مبارك والعادلي، فهم يعلمون جيدا أن معظم الشعب يكرههم وهم يتخوفون من انتقام الشعب أو انتقاصه لهم.. فهم يرفضون بشدة أي نظام جديد يجعلهم في خدمة الشعب بعد أن كانوا أسياده، يرفضون نظاما يجعلهم سواسية مع باقي الشعب المصري.. لذلك كانوا مهيأين تماماً لكي يكونوا عصاة مرسي الجديد، فهم كالأسماك المفترسة لا يعيشون إلا في مياة نظام فاسد.
تغيير الشخصيات والأسماء شيء هين بسيط، ولكن تغيير الأفكار والعقليات والسلوكيات أمر شديد الصعوبة بل مستحيل مع هؤلاء الذين تنفسوا العظمة والألوهية على المواطنين.. فمن إعتاد أن يكون دائماً إله لا يمكن أن يقبل بكونه مجرد عبد.
تجدهم الأن لا مانع لديهم من أن يستخدمهم النظام الجديد، بل إنهم يطالبونه بالتسليح الكامل كي يقتلوا من يقف أمامهم أملاً في أن يُرهب يُردع ما تبقى من الشعب حيا، وتعود لهم ما يسموها هم هيبة ونسميها نحن سطوة.
لن تصلح معهم ما تسمى هيكلة للشرطة .. يجب بتر كل قيادة تربت في كنف السلطة.
هؤلاء لا تنتظروا منهم خيراً ولا تحاولوا تغيير عقيدتهم ولا تصدقوا كذبهم.. فهم يتنفسوا الفساد كما حموه، والإستبداد كما مارسوه، وظلم العباد كما إقترفوه .. فمن كان منهم صادقاً مع نفسه طلب التقاعد، ومن كان منهم يرفض عقيدة الغالبية إنتقل إلى الأعمال الخدمية ..... ومن هم الأن في الميادين، مرضى نفسيين.