لدى جماعة الإخوان قناعة تامة بأن صندوق الانتخابات هو الفيصل فى تحديد الشعبية والجماهيرية، ولديهم قناعة ثانية بأنهم الأقرب إلى الشعب والشارع، ومن ثَم فإنهم قادرون على الفوز فى أى انتخابات يخوضونها، ويجادل البعض منهم فى أن الصندوق هو الديمقراطية، والديمقراطية هى صندوق الانتخاب. وفى الحقيقة فإن هذه القناعات زائفة ولا قيمة لها نظريا وعمليا، فمن الناحية النظرية الديمقراطية كقيمة أكبر بكثير من صندوق الانتخاب، فالصندوق هو الحلقة الأخيرة فى العملية الديمقراطية، والديمقراطية قيمة ضمن مجموعة قيم لا توجد بمفردها وبمعزل عن القيم الأخرى كالحرية، والمساواة والعدل، كما أن الديمقراطية ثقافة تنتشر فى المجتمع، ولا مجال للحديث عن الديمقراطية فى مجتمع لا تنتشر فيه القيم الإنسانية كالحرية والمساواة والعدل، ولا تنتشر فيه الديمقراطية كثقافة، وتعنى هنا مجموعة من المكونات، منها صوت واحد لكل مواطن، تعددية حزبية، دورية الانتخابات، حكم الأغلبية، تداول السلطة، الفصل بين السلطات، الشفافية والمحاسبة، وأخيرا انتخابات نزيهة. توافر هذه المكونات معا يقول إننا أمام تجربة ديمقراطية حقيقية، وتوافرها فى أى مجتمع يعنى فى نفس الوقت انتشار القيم الإنسانية المصاحبة للديمقراطية من حرية، ومساواة وعدل. انظر إلى أى مجتمع من المجتمعات الديمقراطية فسوف تجد هذه المكونات، وتجد أيضا القيم الإنسانية المصاحبة للديمقراطية، فلا مجال للحديث عن ديمقراطية فى مجتمع لا تسود فيه قيم الحرية والمساواة والعدل، ولا مجال للحديث عن ديمقراطية فى مجتمع لا تنتشر فيه مكونات المفهوم باعتبارها ثقافة. وبالتالى لا مجال للحديث عن ديمقراطية فى مجتمع تسوده قوى سياسية لا تؤمن بالقيم الإنسانية وتجادل فى كون الشعب مصدر السيادة، وترى أنها تعود إلى الذات الإلهية، فمفهوم الديمقراطية يعطى المرجعية للشعب ويعطيه حق الاختيار ومنح التفويض وسحبه أيضًا، لا مجال للحديث عن ديمقراطية فى مجتمع ترى قوى سياسية رئيسية فيه أن المؤشر الوحيد هو صندوق الانتخابات، فالصندوق يختزل العملية الديمقراطية فى حلقة واحدة، ينتزعها من سلسلة حلقات متكاملة ومتشابكة ويختزل فيها الديمقراطية، الصندوق فى حد ذاته ليس مؤشرًا على الديمقراطية، فحتى تكون لدينا ديمقراطية حقيقية لا بد من انتشار القيم الإنسانية فى المجتمع، وهى قضية ترتبط بالتطور التاريخى للمجتمعات والشعوب، فكثير من دول أوروبا الغربية الديمقراطية اليوم كانت حتى الخمسينيات لا تعطى للمرأة حق الانتخاب، وكثير منها كان يقصر حق الترشح والانتخاب على فئات محددة من المواطنين، ولكنها تطورت وتشبعت بالقيم الإنسانية من ناحية واستكملت بناء تجربتها الديمقراطية بكل ما تعنيه من مكونات سبق ذكرها. كما فى تاريخ هذه الشعوب ما يفيد إساءة توظيف الديمقراطية، بحيث تتمكن جماعات تجيد فنون دغدغة مشاعر المواطنين، لا سيما البسطاء منهم، من حصد الأصوات، وبعد ذلك تعمل على تأميم التجربة وإلغاء الديمقراطية، بل إن فى تاريخنا الحديث ما يفيد بوقوع كوارث حقيقية ونكبات للبشرية بفعل قادة تم انتخابهم، وجاؤوا عبر الصندوق، منهم أدولف هتلر الذى وصل إلى منصبه بالانتخابات، وفى غضون ست سنوات أشعل نيران الحرب العالمية الثانية التى أودت بحياة خمسين مليون إنسان ودمرت معظم أوروبا ووصل دمارها إلى آسيا وإفريقيا، بل طالت نيرانها الأراضى الأمريكية بضرب الأسطول الأمريكى فى بيرل هاربر. كما كان الفاشى الإيطالى موسولينى شريك هتلر فى جريمة الحرب العالمية الثانية منتخبًا أيضًا، فليس بالضرورة كل من يأتى عن طريق صندوق الانتخاب يكون ديمقراطيًّا، فكثيرًا ما تفرز الصناديق قوى غير ديمقراطية، بل معادية للديمقراطية تضطر إلى التغنى بالديمقراطية فى مرحلة معينة لاستخدامها كسلم للصعود إلى السلطة، ثم تقوم فى اللحظة المناسبة بركل السلم حتى لا يصعد آخر إلى السلطة. هذا هو حال الجماعة فى مصر، هى جماعة لا تؤمن بالديمقراطية، لأنها لا تؤمن بمكوناتها المختلفة ولا تعتقد فى أى من القيم الإنسانية التى تمثل شرطًا لازمًا لوجود الديمقراطية، وأهمها الحرية والمساواة. تندفع الجماعة باتجاه الصندوق دون توفير ضمانات لنزاهة الانتخابات وتدفع البلد نحو ما تريد لإتمام عملية التمكين وبناء نظام على غرار النموذج الإيرانى المعادى لكل القيم الإنسانية، والذى لا يأخذ من الديمقراطية سوى صندوق الانتخاب الذى يصبح بمرور الوقت صوريًّا مقيدًا مكبلًا، لكل ذلك أحسب أنه بات مصيريًّا أن تتكتل الأحزاب والقوى المدنية لمنع الانتخابات التى دعا إليها مرسى فى وقت تشتعل فيه النيران فى بعض مناطق قلب الوطن وأطرافه، فإما إعادة قانون الانتخاب إلى المحكمة الدستورية وإعادة رسم خريطة الانتخابات من جديد وتوفير كل الضمانات لإجراء انتخابات نزيهة أو النزول إلى الشارع ومنع دفع البلاد دفعا إلى انتخابات تمكين الجماعة من مفاصل الدولة المصرية.
«فوبيا «صندوق الانتخابات
مقالات -
نشر:
6/3/2013 4:22 ص
–
تحديث
6/3/2013 8:35 ص