فى يوليو 1952م، ومع أول بيان خرج من الضباط الأحرار، والذى ألقاه أنور السادات، أعلنوا أنهم إنما قاموا لتطهير أنفسهم «لا للقيام بثورة».. بل إنهم ظلّوا يستخدمون مصطلح «الحركة»، حتى احتفالات العيد الثانى، والتى استخدم فيها مصطلح الثورة لأوّل مرة.. وفى البدايات، وفور قيام الحركة، وسيطرتها على البلاد، كان مجلس قيادة الضباط الأحرار يلتقى بكبار السياسيين فى الدولة، لبحث سبل إقامة حياة سياسية سليمة.. ولكن، ومع مرور الوقت، نبت السؤال فى رؤوسهم: لماذا لا نكون نحن وليس هم؟.. وعلى الرغم من كونهم، باستثناء ثلاثة أو أربعة منهم، لا يتمتعون بأى خبرات سياسية، فقد قرّروا أن يسيطروا على معظم المناصب السياسية، وتشبّثوا بالسلطة، التى لم تنتزع من العسكريين، إلا على يد المدنيين.. ولست أقصد هنا الثورة، لكن المحيطين بالنظام السابق الذين كانوا المسيطرين الفعليين على مقادير الدولة، حتى قيام ثورة يناير الشعبية، والتى توصف، بلا مبالغة، بأنها أول ثورة شعبية حقيقية تسقط نظامًا، فى العصر الحديث.. ولكن حتى فى ثورة يناير، كان الجيش هو العامل المساعد الرئيسى، على نجاح الثورة، فى تلك الأيام القليلة.. ولكن الجيش الذى أسهم فى نجاح ثورة يناير، يختلف تمامًا عن الجيش الذى قام بحركة يوليو.. لقد صار أكثر نضجًا وخبرة وإدراكًا لطبيعة وأهمية دوره الوطنى.. وعلى الرغم من حالة الخوف المرضى، من أن يعيد هذا مأساة الخمسينيات، ويعيد تكرار سلطة العسكريين، انقلب الشعب على الجيش، مدفوعًا بمؤامرة لم يدرك أبعادها.. مؤامرة استغلّت اندفاعه وانفعاله، لإضعاف موقف الجيش، وكسر لك الرابط العميق، بينه وبين الشعب، حتى لا يصبح تقارب الجيش والشعب حجر عثرة، فى سبيل أهداف وغايات وغل ونقمة أصحاب المؤامرة.. ولكن دعونا نفترض أن الجيش كان يطمح بالفعل إلى السلطة، كما سعوا إلى نشر الفكرة، وتأليب الشعب.. لو أن هذا صحيح، فدعونا نطرح مجموعة من الأسئلة.. لماذا يعترف الجانب الأعظم من الشعب، على الرغم من كراهية البعض «غير المبرّرة» للجيش، بأن الاستفتاءات والانتخابات، التى جرت فى زمن المجلس العسكرى، كانت أفضل ألف مرة من الاستفتاء على الدستور المسلوق، الذى تم بعد رحيله؟! ولماذا كان الجيش قادرًا دومًا على إخلاء الميادين، والسيطرة عليها، عندما كانت الأمور تتمادى، ويفلت عيارها؟! ثم لماذا عندما أصدر مرسى قراره بإحالة طنطاوى وعنان للتقاعد، وسرت موجة من الغضب بين قيادات الجيش، لم يحاول طنطاوى وعنان استغلال هذا، واستثمار غضب الجيش وقياداته، فى النقلاب على الحكم؟! سيجيب البعض بالطبع بأن الجيش لم يكن يملك هذا، ولم يكن يستطيعه، ولكنه فى الواقع جواب يحمل من الغضب والغطرسة والانفعال، بأكثر مما يحمل من المنطق، لأن التاريخ يقول إن هذا ليس بالأمر المستحيل، وأنه سبق أن حدث، وفى ظروف مماثلة، وفى مواجهة تيارات مشابهة، وفى دولة عربية إفريقية أخرى.. الجواب الفعلى إذن، والذى يتّفق مع المنطق والتداعيات، هو أن الجيش لم يكن «يريد» هذا.. لأن الجيش، وفقًا لدوره الوطنى، يدرك تمامًا أن دوره الفعلى ليس فى السلطة، وأنه عندما انشغل بهذا، كانت نكسة 1967م، ومن أهم سمات الجيوش والقيادات العسكرية، هى أنها تتعلّم من الأخطاء، ولا تعيد ارتكابها مرة أخرى أبدًا.. والناس أدركت هذا، عندما أفاقت من تداعيات المؤامرة، وواجهت نتائجها على أرض الواقع، ولهذا عاد موقفها ينقلب.. وما زال للحديث بقية.
«الشعب والجيش.. «3
مقالات -
نشر:
6/3/2013 4:24 ص
–
تحديث
6/3/2013 8:36 ص